عمر إبراهيم الرشيد
حدثني أحد العاملين في القطاع الطبي الحكومي بأن طلبات التوظيف من خارج المملكة وتحديداً من أوروبا قد بدأت تتهافت على هذا القطاع، والسبب الأول هو النتائج المشرفة بفضل الله تعالى لأداء المستشفيات والمراكز الحكومية لمواجهة جائحة كورونا منذ اندلاعها على مستوى العالم. وما تصريح حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم عن نيته الاستفادة من تجربة المملكة في حظر التجول وتطبيق الاحترازات ومكافحة الفيروس، إلا واحدة من الإشادات الدولية المتوالية بتجربة المملكة في هذا الشأن. وحين نسترجع بدايات هذه الجائحة والأرقام اليومية للإصابات ونراها اليوم وقد تراجعت بنسبة كبيرة ولله الحمد، ندرك حجم الجهود المبذولة تنظيمياً ومادياً وبشرياً.
هناك مقولة أو حكمة مفادها بأن في المحن منح، وأن في قلب الأزمات تولد الفرص للنجاح والابتكار والإبداع، ولقد ضرب منسوبو القطاع الطبي الحكومي أروع الأمثلة في التضحية بأنفسهم، ورحم الله من رحل منهم وجزاه بما قدم الجنة. هذا يضاف إلى ما اكتسبه هذا القطاع مع مرور السنين من خبرات متراكمة وكفاءات بشرية، ترأس الكثير منها أقساماً ومستشفيات في دول غربية وشرقية، وقام عديد منهم بتدريب طلاب الطب في كندا واليابان على سبيل المثال، أفلا يحق لنا الفخر بهم أطباء وطبيبات، ممرضين وممرضات ومساعدين طبيين وغيرهم من هذه الكوادر. كل هذا وغيره جعل المواطن والمقيم يفضل ويسعى جاهداً للحصول على فرصة تلقي العلاج في مستشفى حكومي بدل الخاص، ونرى سعي من هو بحاجة إلى التنويم كذلك للحصول على سرير في أحد الصروح الطبية الحكومية. وللإنصاف والحق، فإن وزارة الصحة قد شهدت وما تزال تغييراً يروم اقتلاع العقلية الإدارية الفاسدة من الجذور، بدعم حكومي سخي سواء خلال الجائحة التي اعتمدت لها ميزانية هائلة لم تتوفر لدول متقدمة عدة، أو قبل ذلك مع انطلاق برامج التحول والرؤية.
لست هنا للمديح الأجوف، فالأرقام تؤكد ما قلت وما لم أقل، ولا أحد يستطيع القول إن أي قطاع، وليس القطاع الطبي فقط، هو خالٍ من العيوب ونقاط الضعف، وهذا في كل دول العالم، وقد رأينا وما نزال دولاً غربية محسوبة على العالم التقني والصناعي المتقدم لا تزال تواجه معضلات جسيمة في محاربة هذا الوباء وتخشى من انهيار نظامها الصحي جراء ذلك، فالله المستعان ولله الحمد والمنة. هذه الأزمة صقلت قطاعنا الطبي على تفوقه المتراكم كما قلت، ومبتعثونا ومبتعثاتنا في الخارج سوف يضيفون إليه ريادة على مستوى العالم بحول الله، ويتبقى على وزارة الصحة بتنظيماتها وكوادرها مواصلة نقلاتها النوعية والتركيز على مواطن الخلل، وكذلك توخي الحرص على سياسة التوطين المتدرجة لكوادرنا الطبية والفنية المساعدة، وفتح فروع أكثر للمستشفيات المتخصصة في المناطق الأشد حاجة لها، ونحن على موعد بإذن الله بعد ذلك لنرفع أيدينا في المحافل الدولية كما بدانا نفعل الآن فخراً بهذا القطاع وصروحه الوطنية، دام عز هذا الوطن قيادة وشعباً والله يرعاكم بعنايته.