رمضان جريدي العنزي
الازدواجية مرض عضال، والتبدل من حال لحال عمل بليد وسيئ، والظهور بين الناس بوجه، وفي الخفاء والخلوات بوجه آخر أمر يثير المواجع ويصنع في النفس الألم، أن الإنسان بوضوحه ونصاعة موقفه وقوة ثباته، سواء في السر أو العلن، في الساحات الاجتماعية العامة أو في الخلوات، في البيت أو العمل أو السوق أو المسجد في المجالس وفي المناسبات، أن على الإنسان السوي العيش بوجه واحد، بعيداً عن التلوّن والتبدل والانحراف والتناقض. إنك لا تستطيع خداع الناس كل الوقت بمظاهر زائفة، وألاعيب مغايرة، وحركات باهتة، لأنك مكشوف وبائن وللناس حواس كاشفة وفطنة وذكاء وقدرة فائقة على الكشف والاستنباط والتبيّن. إن الإنسان الثابت الواثق القويم يعيش بمناقب رائعة، وصفات حميدة، ومنظومة أخلاقية راقية، وبهذا يعيش بين الناس محبوباً ومكرماً ومعزَّزاً، ولن يغيب عن أذهان الناس، ويكون سيداً في الحضور وفي الغياب، وله منزلة عالية في القلوب، عكس المتناقضين المتملِّقين البارعين في التمثيل والتضليل والتمويه، الذين يحبون أن يظهروا بمظاهر مخالفة لحقيقتهم، والذين ينكشفون عن أدنى ريح هابة. إن هؤلاء مجرد انتهازيون لا يملكون ذرة من مواقف حميدة، ذلك أن أعمالهم يندى لها الجبين خجلاً وحياءً. إن الإنسان الذي يعيش حياته بحقيقتها بعيداً عن الأصباغ والألوان هو النبيل صاحب الموقف والمبدأ والثبات. إن الإنسان الذي يعيش البياض يختلف جذرياً عمَّن يعيش السواد، والإنسان الصحيح يختلف عن الإنسان العليل، والجواد لا يقارن البتة مع البخيل، والشجاع غير الرعديد الجبان، وأصحاب القلوب الحانية والأخلاق السامية يكون دورهم في الحياة كله بذلاً وعطاءً وإيثاراً ومساندة، ويصبحون ممدوحين ومحبوبين عبر امتداد الأيام، كونهم متواضعين وبعيدين عن الاستعلاء والتبجح، وهنا يبرز الفارق بين الإنسان الثابت والمتغيِّر، وصاحب الطراز الرفيع، من صاحب الدناءة والخسة والوضاعة، ومن نافلة القول أن نذكر أن العمر فرصة لاصطناع المواقف الناصعة الواضحة النبيلة، والظهور بمظاهر حقيقية في الشكل وفي المضمون، في السر وفي العلن، بعيداً عن مواقف التملّق والإزدواجية والخسران والظلمة والخذلان.