الشباب كما يُقال دائماً هم عدة المستقبل، وعلى سواعدهم تُبنى الأوطان، وعلى قَدْر قوتهم تكون قوة البلاد، فلم نسمع عن أمة حققت تقدمًا أو سبقًا في ميادين الحياة بينما شبابها نيام في سُبات دون أن يشاركوا في البناء أو تحديد صورة المستقبل، ولذلك تُوجّه المملكة جهودها من أجل الشباب لبنائهم وإعدادهم للمستقبل، وفي المقابل نجد أن الشباب وهم مستهدفون في خطط البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في بلادنا فهم مستهدفون من قِبل أعدائنا الذين يحاولون بشتى الوسائل النيل من شباب الوطن لإبعادهم عن مسيرة النهضة التي تنطلق في المملكة بخطىً مدروسة واثقة، بل ويسعى الحاسدون والحاقدون على تلك المسيرة - ما وسعهم السعي الخبيث - إلى زعزعة ثقة الشباب في أنفسهم، بل وفي وطنهم في محاولة دنيئة للنيل من وحدتنا الوطنية الراسخة منذ تأسيس صرح المملكة العربية السعودية على يد صقر الجزيرة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، ثم استمرت وتواصلت جهود الدولة من بعده في إذكاء روح الوحدة الوطنية وتعزيزها بين أبناء المملكة، فها هو النظام الأساسي للمملكة ينص صراحة على ذلك، حيث جاءت المادة الحادية عشرة منه لتؤكد على أن المجتمع السعودي «يقوم على أساسٍ من اعتصام أفراده بحبل الله، وتعاونهم على البر والتقوى، والتكافل فيما بينهم، وعدم تفرقهم». ولذلك فقد أكدت المادة الثانية عشرة من النظام على أن (تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام).
وقد التزمت خطط الدولة وسياساتها أعزها الله بتأكيد الوحدة الوطنية، وترجمت ذلك بكل وضوح في رؤية المملكة 2030 التي ربطت بين بناء الوطن وازدهاره وبين وحدته الوطنية فأكدت على أن تحقيق هذه الرؤية وتأسيس قاعدة صلبة لازدهارنا الاقتصادي ينبثق من «إيماننا بأهمية بناء مجتمع حيوي، يعيش أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال، معتزّين بهويتهم الوطنية وفخورين بإرثهم الثقافي العريق، في بيئة إيجابية وجاذبة، تتوافر فيها مقوّمات جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، ويسندهم بنيان أسري متين ومنظومتا رعاية صحية واجتماعية ممكِّنة».
وبمثل هذا الوضوح سارت الدولة على درب تأكيد وحدتنا الوطنية وتعزيزها بالقول والعمل، ولذا فقد ترسَّخ على أرض المملكة نموذج فريد من التلاحم الوطني الذي أصبح وبكل فخر مضرب المثل في عالم اليوم، وهذا هو سبب الهجمة الشرسة التي تستهدف شباب الوطن في محاولة مستميتة للنيل من وحدتنا الوطنية. وتتنوع أساليب تلك الهجمة وأدواتها الخبيثة، فتستخدم وسائط التواصل الاجتماعي في ترويج الشائعات، وفي نشْر أخبارٍ مزيفة مضللة، وبثِّ اليأس بين الشباب، والعمل على انصرافهم بعيدًا عن الطريق المستقيم، وتعمل على إثارة الضغائن فيما بينهم، وتسعى لكل ما فيه الفرقة بين أبناء الوطن، كما تسعى لنشر الفكر المتطرف وتعمل بدهاء للإيقاع ببعض الشباب في براثن الجريمة والإرهاب. وغير ذلك كثير من الألاعيب والوسائل الخبيثة التي يلجأ إليها أعداء بلادنا الحاسدون لوحدتنا الوطنية.
وإزاء تلك المحاولات التي تستهدف شباب الوطن الذين هم عدة مستقبله فإن الواجب علينا كبير ويتضاعف، ويلقي بالمسؤولية علينا جميعًا أن نتصدى لهذه المحاولات، وأن نضع أيدينا في يد الدولة وأجهزتها لنتصدى لمحاولاتهم ومؤامراتهم، فنعمل ونحرص على حماية الأبناء كلٌّ في موقع مسؤوليته، بدءًا من الأسرة التي هي نواة المجتمع والتي يجب أن ترعى أبناءها فهي الحاضنة الأولى لهم، وعليها أن تدرك واجبها نحو تربيتهم وفق وسطية الدين الصحيح، وتنمِّي فيهم الولاء والطاعة لله ولرسوله، ولأولي الأمر، وتغرس فيهم حب الوطن والاعتزاز به، والفخر بتاريخه، وعليها أن تغرس في نفسه تقدير الجهود التي بذلت من أجل تأسيس الوطن ورفعة شأنه، وعلى الأسرة أن تدرك جيدًا أن ما تقوم به في رعاية أبنائها هو واجب ديني ووطني، ويعود عليها بالخير متى تحملت هذا الواجب وقامت به على الوجه الأكمل، ولا يفوتنا هنا أن نهمس في أذن الأسرة التي تستشعر تقصيرها في متابعة أبنائها والقيام بواجباب نصحهم وإرشادهم فنقول انتبهوا وتيقَّظوا فإن هذا التقصير لاتقف نتائجه المدمرة عند حدِّ الندم منكم، بل تتعداه وللأسف الشديد إلى غيركم من بني الوطن.
وإلى جانب الأسرة فإننا نتذكر دائمًا مسؤوليات مدارسنا في تعزيز الوحدة الوطنية في نفوس أبنائنا وفي حماية سلوكياتهم نحو أنفسهم ونحو وطنهم، وهذه المسؤولية هي مسؤولية تعليمية وتربوية مركبة من عدة واجبات يقوم بها التعليم في المملكة، تلك الواجبات التي حددها النظام الأساسي للحكم حين حدد هدف التعليم في المملكة بأنه يهدف «إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء، وإكسابهم المعارف والمهارات، وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم، معتزين بتاريخه». وهذا يضاعف من مسؤوليات مؤسسات التعليم في وطننا وخاصة في هذا الوقت الذي تشتد فيه تلك الهجمات الشرسة المعادية للمملكة، التي تحاول أن تنال من وحدتنا الوطنية فتتوجَّه نحو شباب الوطن بكل وسائل الزيف والضلال.
ولن نضع المسؤوليات هنا على التعليم وحده، ولن نغفل ما تقوم به وزارة التعليم في بلادنا من جهودٍ لحماية الشباب، غير أنه من واقع المسؤولية الوطنية وأعبائها الضخمة التي تقع على مؤسسات التعليم في هذه الأوقات الصعبة، ومن واقع حرصنا جميعًا على شباب الوطن وعلى غرس وتنمية الوحدة الوطنية في فكره وسلوكه، فإننا نتساءل ونحن نشعر بالتقدير لجهود وزارة التعليم في هذه المجالات لنقول هل تمكنت المؤسسات التعليمية من تقويم ما تقدمه من برامج لتحقيق ما جاء في رؤية المملكة حول ( تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القيم العربية والإسلامية الأصيلة. والمحافظة على هويتنا الوطنية والتعريف بها ونقلها إلى أجيالنا القادمة، وذلك من خلال غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية واللغة العربية».
وهل تمكنت المؤسسات التعليمية من تبني «سياسات متطورة لترسيخ القيم الإيجابية في شخصيات أبنائنا عن طريق تطوير المنظومة التعليمية والتربوية بجميع مكوناتها، مما يمكّن المدرسة بالتعاون مع الأسرة من تقوية نسيج المجتمع، من خلال إكساب الطالب المعارف والمهارات والسلوكيات الحميدة ليكون ذا شخصية مستقلة تتصف بروح المبادرة والمثابرة والقيادة، ولديها القدر الكافي من الوعي الذاتي والاجتماعي والثقافي» وذلك وفقًا لما جاء في رؤية المملكة 2030.
إننا نطرح هذه التساؤلات من قبيل البحث عن سبل حماية الشباب مما يُحاك لهم من وسائل الإعلام المعادي، ونقدر أن دور المعلم والمنهج والكتاب المدرسي والنشاط المدرسي وغيره في حاجة إلى أن يصبَّ جميعه في منظومة واحدة تتضاعف تأثيراتها وتتعاون من أجل تحقيق هذه الغاية النبيلة وهي حماية الشباب من تأثير الهجمات الإعلامية البغيضة، وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية، ونحن على ثقة من الجهود الموفقة التي تقوم بها مؤسساتنا التعليمية للارتقاء بالمناهج والمعلمين وتطوير التعليم في عناصره المختلفة، ومع ذلك نشدُّ على أيديها ونذكّرهم بأن مسؤلياتنا نحو وطننا تجعلنا ننتظر منهم المزيد ونتوجّه إليهم دائمًا بالحديث لتشتد العزائم والخطى نحو تحقيق الأهداف.
وللحديث بقية، حفظ الله بلادنا ووفق قيادتنا لكل الخير والفلاح.
** **
- وكيل الوزارة، بوزارة الثقافة والإعلام، سابقًا