محمد آل الشيخ
هناك مبررات وأسباب كثيرة تؤدي إلى سقوط الدول، يأتي على رأسها تدهور الأوضاع الاقتصادية، أضف إلى ذلك أسباب أخرى، إلا أن التدهور الاقصادي هو الأهم؛ ويمكن القول وبعلمية أن الاضطرابات الأمنية، وغياب الأمن والاستقرار، المفضية لسقوط الدول سببه أيضاً التدهور الاقتصادي.
المنشقون السعوديون المشردون في الخارج يَدعون المواطنين للتمرد وللثورة، لكنهم فشلوا وفشلت كل محاولاتهم؛ بل إن بعضهم ظن واهماً أن بإمكانه أن يوظف الدين لأهدافه السياسية، مقتفياً أثر الثورة الخمينية، إلا أن دعواتهم وتحريضهم لم يحرك السعوديين قيد أنملة. فالمملكة دولة قوية وعريقة، تأسست قبل أن تتأسس الولايات المتحدة، وجذورها ضاربة في أعماق تاريخ الأرض ووجدان الإنسان المتشبث بهذه الأرض، وليست دولة محدثة بلا تاريخ، وحكامها لم يجيئوا إلى السلطة من على ظهر دبابة بانقلاب عسكري؛ أضف إلى ذلك، وهو العامل المهم، أنها تتميز باستقرار اقتصادي مستتب، هو في حالة نمو دائم، ولهذه الأسباب الموضوعية بقيت المملكة عصية قوية أمام جوائح الدهر وتغيراته؛ كما أن عواصف ما كان يسمونه بالربيع العربي، مر دون أن يتأثر أمنها واستقرارها؛ ولو كانت أوضاعها الاقتصادية سيئة ومتضعضعة، أو نموها الاقتصادي بطيئًا أو متجمدًا، لربما كان لتلك الأحداث التي أسقطت دولاً عربية أخرى أثر سلبي على أوضاع المملكة الداخلية.
مثل هذه العوامل الموضوعية لا يدركها المنشقون السعوديون المشردون في الخارج، فظن قدماؤهم في زمن المد القومي واليساري أن بإمكانهم تثوير المواطنين على السلطة لأسباب وشعارات فارغة، إلا أنهم فشلوا، ثم عادوا إلى المملكة بخفي حنين.
الآن كرر (المتأسلمون المسيسون)، الذين يمثلون أغلب هؤلاء المنشقين، نفس أخطاء القوميين اليساريين، وتبنوا مقولاتهم نفسها، إلا أنهم ألبسوها ثوباً إسلاموياً ثورياً، واعتقدوا أن المزايدة على الإسلام، من شأنها دفع المواطن للثورة والتمرد والخروج إلى الشوارع؛ والغريب أن المنشقين الجدد لم يتعظوا بمن قبلهم، من القوميين أو المتأسلمين كالمسعري والفقيه، ولم يسألوا أنفسهم عن أسباب فشلهم الموضوعية فارتكبوا نفس الحماقة، وسلكوا الطريق نفسه؛ وليس لدي أدنى شك أنهم سيصلون للنتيجة نفسها التي وصل إليها أسلافهم.
والبعض منهم يعتقد واهماً أن مساندة بعض الدول الغربية، ودكاكين حقوق الإنسان، يغني عن الأسباب الموضوعية لتحقيق طموحاتهم؛ وهذا ضرب من ضروب الغباء والتفكير الرغبوي المحض؛ دول الغرب يهمها أول ما يهمها مصالحها، قد يستخدمونهم كمخلب قط للضغط على المملكة لتحقيق تلك المصالح، إلا أنهم سرعان ما يضربون بهم عرض الحائط بمجرد أن تتحقق نسبة ولو ضئيلة مما يهدفون إليه، أو تجري رياح التغيرات في المنطقة وفي العالم على عكس ما كانوا يتوقعون.
وهم بعد انفتاح المملكة، ونيل المرأة السعودية حقوقها المدنية، وكبح جماح الصحوة التي كانت تصنع الإرهاب والإرهابيين، ذرت الرياح كل الأسباب التي جعلت كثيراً من الدول الغربية توهمهم أنها تتبنى خطابهم، ولم يعد ثمَّ من يدعمهم ويُشعرهم أنه يساند مطالبهم، اللهم إلا دويلة قطر، التي هي الآن تستخدمهم لرفع المقاطعة، ليس أكثر.
ومرة أخرى أقول لهم طالما أن المملكة ينتشر فيها الرخاء الاقتصادي، والأمن والاستقرار، فلن ينجح أحد.
إلى اللقاء