محمد سليمان العنقري
لم يكن مستغربًا أن تكون النظرة سوداوية للاقتصاد العالمي للعام الحالي والتالي من قِبل بيوت المال، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، بعد أن بدأ الإقفال الكبير بسبب جائحة كورونا قبل نحو ثمانية أشهر، ولكن بعد أن بدأت دول مجموعة العشرين بطرح مبادراتها لتحفيز اقتصاداتها، وبلوغ مجموع ما تعهدوا بضخه 11 تريليون دولار أمريكي، بدأت التوقعات تتحسن، وخفض صندوق النقد من حدة تشاؤمه وعدم توقعه انكماش الاقتصاد العالمي من 4،9 في المئة إلى 4،4 في المئة. ولا يستبعد تغيير هذه الأرقام للأفضل بعد أن حققت معظم دول العالم، وخصوصًا الاقتصادات الكبرى، نموًّا بالربع الثالث بنسب كبيرة قياسًا بالربع الثاني لهذا العام. فالمعطيات تتغير نحو الإيجابية عالميًّا. ورغم أن صندوق النقد يتوقع عودة عالمية للنمو بنسبة 5،3 في المئة للعام القادم إلا أن ذلك كان قبل أن تظهر الأخبار المبشرة بنجاح فاعلية اللقاحات من كبرى شركات الأدوية والأبحاث العالمية مثل فايزر وموديرنا واكسفورد، بالتعاون مع استرازينيكا. ومن المتوقع أن تعلن شركات أمريكية وأوروبية عدة، إضافة للصين وروسيا، نجاحات مشابهة لتلك التي أُعلنت قريبًا؛ وهو ما يؤكد أن احتمالات العودة للحياة الطبيعية عالميًّا ستكون في وقت قريب، وعلى أبعد تقدير منتصف العام القادم. فعودة الثقة للمستهلكين ستكون هي الدافع الكبير لتحقيق قفزات بأعلى من التوقعات بنمو الاقتصاد العالمي. فإنفاق الأسر كان دون الصفر في دول مجموعة العشرين باستثناء السعودية والصين التي كان فيهما مرتفعًا فوق الصفر؛ وذلك بسبب قوة تأثير المبادرات التحفيزية التي اتُّخذت، وحافظت على دور المستهلك إيجابًا في الدولتين خلال ذروة فترة الجائحة، وذلك وفقًا للتقرير الذي قدمته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «أوسيد» لقادة مجموعة العشرين. فبعد أن أُعلن نجاح تجارب اللقاحات، وتحديد مواعيد تقديرية لتوزيعها عالميًّا بداية من الشهر القادم، وأن يتم إعطاء الجرعات لعدد كبير من البشر في عشرات الدول خلال الربع الأول من العام القادم، فإن توقعات النمو للاقتصاد العالمي ستتغير للأفضل، ويُتوقع أن تشهد تسارعًا كبيرًا في عودة أنشطة متعطلة وشبه متوقفة، كالسياحة والطيران والترفيه التي تُعد من الأنشطة المهمة في رفع معدلات نمو الاقتصاد العالمي، واستعادة ملايين الوظائف التي فُقدت. كما أن الحكومات، وخصوصًا دول مجموعة العشرين، من المرجح أن تبادبوضع خطط تحفيز لتنشيط اقتصاداتها في موازنات العام القادم من خلال سياسة مالية توسعية. فالدول الكبرى عندما تزيد من إنفاقها فهي تحرك الطلب المحلي والعالمي؛ ما ينعكس على الزيادة في طلب السلع والخدمات، وارتفاع أسعارها. ويظهر ذلك من خلال تحسن ملموس بأسعار النفط محرك الاقتصاد العالمي؛ إذ بدأت تتغير توقعات الطلب عليه، إضافة لتعاون دول أوبك مع المنتجين من خارج المنظمة لاستعادة توازن السوق رغم أنه لا يمكن نفي استمرار المخاطر على الاقتصاد العالمي، لكن من الواضح أن مراحل عديدة من التحديات تم تجاوزها بنجاح معقول قياسًا بحجم الأزمة المركبة والمعقدة؛ إذ إنها صحية واقتصادية إلا أنه لا يمكن استبعاد أن نشهد تغييرًا كبيرًا لتوقعات النمو الاقتصادي، ليس للعام القادم فقط بل لثلاثة أعوام قادمة على الأقل، مدعومًا بعودة الثقة للمستهلك والمستثمر على حد سواء، وبتحفيز كبير وواسع من الحكومات لتعويض الانكماش الذي حدث في العام الحالي، ومسح جميع آثاره السلبية.