حسمت نتائج الانتخابات الأمريكية، وأعلنت تنصيب رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأمريكية..
وهذا لا يعد حدثاً استثنائياً في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، إذ إن ترقب ما تسفر عنه نتائج التصويت النهائية، تثير شكوك ومخاوف بقية الحكومات وكذلك الشعوب حول العالم؛ فبعد الحرب العالمية الثانية، يُنظر إلى الرئيس الأمريكي باعتباره أحد أقوى الشخصيات السياسية في العالم كزعيم للقوة العظمى العالمية الوحيدة المتبقية.
ولا يزال الانتماء للأحزاب السياسية هو أكثر ما يشعل التنافس ويشكل تهديداً ملموساً تجاه الوحدة في داخل أمريكا، وأقوى ما يثير القلق والمخاوف تجاه تعارض المصالح دولياً.
ولاشك أن إعلان الانتماء لأحد هذه الأحزاب يقف وراءه خلفية ثقافية وموروثات عقائدية، ومذاهب كنسية، ومصالح اقتصادية، وقيم وطنية، هذا فضلاً عن تداخل من تأثير النشأة والبيئة أضف لذلك السمات الشخصية كالطباع والأمزجة، وسيطرة الانفعالات، والرغبات والمخاوف، والأطماع والنزوات ونقاط الضعف والضغط،،الأمر الذي يفضي إلى خلط بين الأوراق الحمراء والأجندات الزرقاء، ويجعل التنبؤ بما ستكون عليه مرحلة الرئيس الجديد أمراً مربكاً وغير واضح.
هذا ومن جانب آخر، فإن التنافس الشرس بين المرشحين للرئاسة، وإلى جانبهما الحزبين بثقلهما، والتي يحاول فيها كلٌ التظاهر بالتفرد بقيادة المصالح من خلال امتلاك ملفات القوة والخطط والإستراتيجيات ما يمكنه من توفير الاستقرار والرفاهية لشعبه، والمحافظة على السيادة العالمية لبلاده، ومحاولاتهم المستمرة لكسب الأنصار والأصوات من خلال إطلاق الوعود بالإصلاحات، مع الوعيد للمنافس وتبادل الاتهامات، كل هذا يكشف عن هزال يطال النفس حين تتمظهر بالقوة في حين أنها تسعى للبحث عن قوة خارجها، بالاعتماد على حبال من شعبيتها الكاسحة من الأنصار والمؤيدين وبالتلويح بعدد من الشعارات وكذلك بالرهان على صورة إعلامية عملاقة وعميقة كرست لصالح لأمريكا منذ عقود طوال.
إن التجارب البشرية على مر القرون تميل إلى ترجيح النظرية التي لا تلقي بثقلها بالانسياق وراء متطلبات العواطف الشعبوية، والعقلية الجمعية؛ إذ لا يمكن الاتكاء على كرة متدحرجة وملتهبة تتكون خيوطها من مجموعة معقدة من العواطف الهائجة، والاحتياجات الملحة، والانفعالات المؤدلجة، فضلاً عن إسنادها ثقة كاملة للإدلاء بصوتها لانتخاب من سيسودها مهما زعمت تلك الشعوب أنها تخطت مرحلة الهياج الصبياني إلى مستوى الوعي العقلاني.
عني شخصياً لا أرى فرقاً كبيراً ومفيداً بين أن ينتهج أحدهم أسلوب التحايل والتلون، وذلك بالشجب العلني ضد كيان عدواني توسعي يمارس تغييراً ديمغرافياً في منطقة واسعة، في حين يتم عقد صفقات وتحالفات مؤيدة له، وبين اعتماد سياسة الشغب بالتصريح بالعداء السافر لجهة أو دين أو عرق أو جنسية، وفرض عقوبات استباقية عليها، إذا أدركنا أن شرط ضمان بقاء الهيمنة الأمريكية، هو السماح بوجود تهديد في المنطقة، كل ما في الأمر هو تغيير جهات الشغب ومواقع التهديد، وتبقى أساليب الاحتيال أو المكاشفة محدودة التأثير.
تتابع الرؤساء بانتمائهم الحزبي المختلف على مقاعد الرئاسة الأمريكية، لن يغير من واقع الدول كثيراً كما كان عليه الوضع من قبل، لاعتبارات عدة منها الوعي المتزايد لدى شعوب العالم بشأن سياسات التلاعب وفرض الهيمنة، فضلاً عن ارتفاع منسوب الاحتقان والكراهية ضد الغطرسة الأمريكية، ولا يفوتنا معرفة أن السلطة متحركة ومطبخ القرار مشترك، كما أن قوة التأثير من خلال مدة الحكم، قصيرة، والقضايا الداخلية ملحة ومتعجلة والمتغيرات العالمية مؤثرة ولا تنتظر أحداً، ومدة حكم الرئيس بالكاد تكفي لالتقاط الأنفاس، وترتيب البيت من الداخل.
لقد حان الوقت لكشف زيف الشعارات التي يرفعها الرؤساء المرشحون والاعتراف بازدواجية حادة في التعامل مع القضايا في حال معارضتها للخلفية الثقافية والمصالح، يحدث ذلك كله حين يصعد مؤشر الذعر في داخل النفس وهي حالة من التطرف تأتي في حقيقتها من وهم: «الخوف من انتقال السيطرة وفقد الهيمنة».
وجائحة بحجم (كورونا) تعد إحدى الأزمات العالمية المفاجئة، التي أعادت للأشياء أحجامها، وعرت مستوى السيادة الداخلية، وعرفت العقلاء بحقائق الأشياء، ومحصت صدق الوعود من زيفها.
إنه سيناريو متكرر، لا يمل من تكراره الواهمون؛ إذ في عين هذه الدوامات من الدوائر المتداخلة من التكهنات والمخاوف والقلق، يترقب العالم خارج حدود الولايات المتحدة الجغرافية متى تعلن ساعة الحسم، فملفات إصلاح قديمة معلقة، ومشاكل فساد متكدسة، وتدخلات إقليمية سافرة ومتعجرفة، وحركات مؤدلجة، مغروسة في الخاصرة، رئيس أمريكي يتبع رئيساً، فصلاً من الخيبة تعقبها خيبات، لا شيء يثبت للدول (الأخرى) أن الإصلاح الداخلي يتم عبر سلطة انتهازية تأتيك من الخارج.
إنه زمن قصير، وكاف لنستوعب هذا المشهد المتكرر؛ لانطفاء قوى واضمحلالها متمثلة في أشخاص كانوا لسنوات قليلة انفرطت، سادة للعالم برمته! يبدأ المشهد بما جرت العادة عليه: «إقامة احتفال رسمي مهيب، تصوب أنظار العالم بأسره نحو بوابات البيت الأبيض المشرعة، يخرج الضيف السابق عليه آسفاً متجرداً من أبهته وسابق نفوذه، لا يلتفت صوبه أحد، نحو طريق (Exit).
وأمام صخب الحشود المنشغلة بالتجمهر حول منصة الرئيس الجديد المنتخب، تصفق له الجماهير ببهجة وحماس، يرفع ساعده ملوحاً منتشياً بزهو وفخر، ويطوق بالأخرى زوجه، يشاركه فرح الانتصار أفراد أسرته ومعاونوه، يلقي الرئيس الجديد خطبته الواعدة ويستعرض خططه وأهدافه القادمة، تلتقط له صور تاريخية، في صباح اليوم التالي في المكتب البيضاوي وهو يتسلم ملفات محلية مكدسة وأخرى مؤجلة، وثالثة هامة وعاجلة، ولاشك هذه كلها مقدمة على أن ينظر في قضايا شائكة لدول منتظرة،ذلك كله ليؤرخ في التاريخ كمشارك في سيناريو لعبة جديدة اسمها «لعبة القوى».
وفي نهاية سحابة تأملاتي أطرح سؤالاً حري بالمراجعة: - هل حقاً ما زالت أمريكا تمتلك بقيادة رؤسائها المتتابعين، زمام القوى العالمية الكاسحة والنفوذ الحقيقي على بقية دول العالم الحر؟
** **
- هدى مستور
3LAalhuda@