د. مساعد بن سعيد آل بخات
مع وجود وزارتين مستقلتين هما: وزارة الثقافة ووزارة التعليم, وكل وزارة لها ميزانية مستقلة عن الأخرى, وموظفيها الخاصين بها, وخططها الاستراتيجية التي تسير عليها, وأهدافها التي تسعى لتحقيقها بما يتواكب مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030م.
إلا أننا نجد بأنَّ هناك علاقة وثيقة بين الثقافة والتعليم حيث إنهما يشتركان معاً في تنمية أفراد المجتمع, من خلال تزويد أفراد المجتمع بالمعارف والعلوم المختلفة, واستثمار مواهب أفراد المجتمع بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع والفائدة, ونقل التراث الثقافي والعادات والتقاليد من جيلٍ إلى جيلٍ آخر, وتعزيز الهوية الوطنية وحب الوطن والانتماء له في نفوس أفراد المجتمع.
ويُعد هذا الأمر طبيعياً لأنَّ منابع ومشارب كلاً من الثقافة والتعليم متشابهة وتتداخل في بعضهما البعض, فمدخلات الثقافة والتعليم تتبنى أهدافاً محددة تركز على أفراد المجتمع من شباب وفتيات, طلاب وطالبات ..إلخ, والعمليات التي تحدث في الثقافة والتعليم تعتمد على المحتوى الذي يُقدم من محاضرات وفعاليات وأنشطة وورش عمل ..إلخ, والمخرجات التي تسعى لتحقيقها الثقافة والتعليم إنتاج أفراد مجتمع يمتلكون (العلم والمهارة) لخدمة أنفسهم ومجتمعهم.
ومن أبرز تعاريف الثقافة التي طُرحت ما تطرق إليه إدوارد تايلر في كتابه «الثقافة البدائية» حيث ذكر أنَّ الثقافة «ذلك الكل المركب الذي يضم المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والتقاليد والعادات والقدرات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع».
وعندما نتمعن في هذا التعريف نجد بأنَّ إدوارد تايلر ركز على خمسة عناصر مهمة وهي:
أولاً/ أنَّ قضايا الثقافة ذات بعد إنساني من عقيدة وقيم وفنون وعادات وتقاليد وليست ذات بعد مادي.
ثانياً/ أنَّ قضايا الثقافة من عقيدة وقيم وفنون وعادات وتقاليد تتمثل في صورة بناء متكامل وليست جزئيات منفصلة عن بعضها البعض.
ثالثاً/ أنَّ الثقافة ليست تمييزاً لفرد عن المجموعة, وإنما هي اجتماعية, فالشخص يعيشها في المجتمع الذي ينتمي إليه.
رابعاً/ أنَّ الثقافة ليست ذات نمط فلسفي أو معرفة نظرية بل تعبر عن حياة اجتماعية وواقع فكري وسلوكي يفعله أفراد المجتمع في حياتهم اليومية.
خامساً/ أنَّ الثقافة تُعد أحد المعايير المهمة لتمييز المجتمعات عن بعضها البعض من حيث العقائد والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف والقوانين, فالمجتمع السعودي له ثقافته التي تختلف عن ثقافة المجتمع الأمريكي أو المجتمع الياباني مثلاً.
لذلك يمكننا أنْ نستنتج مما سبق بأنَّ الثقافة «تعبر عن أسلوب حياة الإنسان التي يعيشها ويؤمن بها من حيث ديانته وأخلاقه ولغته وعاداته وتقاليده, والأنظمة والقوانين التي يلتزم بها».
وفي الجانب المقابل..
نجد بأنًّ التعليم يعرَّف بأنه عملية منظمة يمارسها المعلم مع الطلاب بهدف نقل المعلومات والمعارف لهم, وإكسابهم المهارات اللازمة للحياة, وتعديل السلوكيات غير المتوافقة مع قيم ومعايير المجتمع.
لذا فالتعليم يغرس في نفوس الطلاب والطالبات العلوم والمعارف والتربية الحسنة, كما يعزز التعليم من استخدام اللغة العربية في المناهج الدراسية, ويدعم التعليم العادات والتقاليد الإيجابية في المجتمع, ويؤكد التعليم على ضرورة تقيد الطلاب والطالبات بالأنظمة واللوائح المدرسية، إلى جانب تدريب المواد الدينية.
ومما سبق..
يتضح لنا مدى أهمية الاهتمام بمجالات الثقافة المتنوعة ودعمها لأنها تسير على خطٍ موازٍ مع التعليم في تنمية أفراد المجتمع, فالثقافة والتعليم كالأخوين التوأمين اللذين لا ينفصلان عن بعضهما البعض.
لذا..
أرى بأننا بحاجة ماسة لوجود شراكة فعالة بين وزارتي الثقافة والتعليم بما يحقق أهدافهما, خصوصاً وأنَّ وزارة الثقافة قد اعتمدت هيئات ثقافية كثيرة بعضها يُعنى بمجالات جديدة لم يسبق لها وجود في المجتمع السعودي من قبل, مثل: هيئة الأزياء, هيئة الموسيقى, هيئة الأفلام, هيئة المتاحف ..إلخ, وجميع هذه الهيئات بحاجة إلى استقطاب كوادر متخصصة بهذه المجالات في المستقبل بما يحقق أهدافها, بمعنى أنها ستوظف أشخاصاً مؤهلين علمياً للعمل في الوظائف المناسبة لهم في الهيئات, ولن يتحقق ذلك إلا إذا تمَّ إدخال مفهوم الثقافة بجميع مجالاتها في التعليم, حيث سيكون التعليم داعماً لها وناشراً لفنونها المتنوعة بين الطلاب والطالبات في جميع مراحل التعليم العام والعالي, من خلال إيجاد منهج دراسي يُعنى بمجالات الثقافة المتنوعة, والاهتمام بالأنشطة الطلابية التي تُعزز من: تفعيل المسارح المدرسية, ودعم الخط العربي, واكتشاف المواهب المدفونة لدى الطلاب والطالبات والتي رُبما ستفتح لهم آفاقاً جديدة في المستقبل ..إلخ, كما أنه قد يوجد من بين المعلمين والمعلمات من لديه الخبرة في دعم هيئات وزارة الثقافة إما في مجال إنتاج الأفلام, أو الصوت, أو التمثيل ..إلخ, فينقل هذه الثقافة التي لديه للطلاب والطالبات بما يضمن لنا إنتاج جيل متنوع في العلوم والمعارف والاهتمامات والمواهب لخدمة أنفسهم ووطنهم.