حين نبحر ونتعمق في سيرة الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي ومراحل حياته المشحونة بالشعر والسياسة والفروسية والحب، سوف تتكشف لنا هذه الشخصية الاستثنائية بأنها شخصية مسرحية بحد ذاتها، فقصة حبه للأميرة خولة أخت سيف الدولة والقصائد التي قال فيها من أشعار، تستحق أن تكون من الأعمال المسرحية التي يكون ملحها الحب وخبزها العشق، والمتنبي تتطابق شخصيته من الناحية الدرامية مع شخصية مكبث الذي قال (وما الدنيا إلا مسرح كبير، والناس ممثلون على مسرح الحياة، الكل يؤدي دوره وأنا دوري الحزين)، هذا القول لمكبث كتبه له الكاتب والأديب الإنجليزي وليم سكشبير، الذي شبَّه الحياة بأنها مسرح في مسرحيته التراجيدية مكبث والتي كتبها عام 1603 م فجعل بطل المسرحية مكبث القائد الأسكتلندي يقول ما قاله وما الدنيا ....... إلخ، لكن المتنبي لم يكن دوره الحزين، بل كان دوره شاعراً ما زلنا نستخدم شعره منذ أكثر من ألف سنة، وستظل قصائده ومقولاته شاهدة عبر مر الأزمان على عبقريته ونفاذ بصيرته، أليس هو القائل:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وقائل:
إذا أنت أكرَمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا.
وقائل:
أعز مكان في الدُنى سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب.
والقائل:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وقال:
وما الدهر إلا من رواة قلائدي
إذا قلتُ شِعرًا أصبح الدهر مُنشداً.
وقائل:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم.
وهو الذي قال:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
بعضنا يعرف من هو المتنبي الذي وُلد في الكوفة بالعراق عام 915 ميلادي وعاش أجمل سنوات حياته في حلب ببلاد الشام، كتب فيها أجمل ومعظم شعره وهو في كنف سيف الدولة الحمداني أمير بني حمدان، التي حكمت حلب وإنطاكيا والموصل قرابة المائة سنة، والبعض منا قد لا يعرف أبو الطيب أحمد بن الحسين الشاعر المشهور المعروف بالمتنبي، سيد شعراء عصره، صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة، أحد أكثر شعراء العرب شهرة، وأحد أفذاذ الزمان وأحد مفاخر الأدب العربي، وسيد شعراء عصره وإمام من جاء بعده، الذي أثر بشخصه وبشعره في الكثير من الشعراء والحكام، فهو لم يكن مجرد شاعر يملك من الفصاحة والبلاغة ما لا يملكه غيره من الشعراء فقط، بل كان له شخصيته المتميزة التي كان يعتز بها كثير ما في قصائده ومجالسه الشعرية، لكن كما أعرفه من خلال ما قرأت له، أراه رجلاً فناناً مسرحياً في حله وترحاله، في شعره وأقواله، فمن يقرأ ويحفظ له قصيده يشعر بأنه أمام ممثل يتقن الأداء اللفظي والحركي برقي الإحساس والإلقاء، وسيرى أن المتنبي بطل على المستوى الإبداعي في مسرح حياته، مات وبقيت قصائده مسرحيات خالدة.
** **
- مشعل الرشيد