«الجزيرة الثقافية» - حاورها/ محمد المرزوقي:
مثلت المملكة العربية السعودية، مستشارة للتعليم العالي، في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، قارنت بين العديد من النماذج المعنية بالعمل الثقافي في دول متقدمة، من خلال وزارات الثقافة فيها، كوزارة الثقافة الأمريكية والفرنسية، مقارنة حينها بينهما وبين وزارة الثقافة والإعلام السعودية، التي ضمنتها كتابها: «رؤى وتطلعات لمستقبل الثقافة في المملكة العربية السعودية»، إذ تؤكد على أننا من خلال رؤية المملكة 2030م، بأننا أمام مرحلة تحول حقيقة، من مرحلة الاستهلاك إلى مراحل إنتاج تنافسية مع العالم.. إذ ترى الدكتورة حنان بنت عبدالله عنقاوي، أن الاعتناء بالثقافة بدءًا من البنية التحتية مرتكز لرهانات صناعة «الفعل الثقافي»، في زمن اقتصاديات المعرفة، لتحقيق التنمية الثقافية المستدامة، مؤكدة خلال حديثها لـ»المجلة الثقافية»، أهمية إدارة العمل الثقافي في المملكة، بما يناسب مكانة المملكة، وتنوع إرثها الثقافي، وعمقها الحضاري، ودورها الريادي العالمي، بدءًا بتطوير منظومة المؤسسات الثقافية، وانتهاء بجودة أدائها، وتسويق إنتاجها، لتصبح الثقافة مؤثرة، وذات دور رئيسي في المنظومة الاقتصادية, كأحد موارد الدخل، وفتح فرص عمل, تشكل بدورها قوام العملية الاقتصادية القائم على الاستثمار في المعرفة.
* ما أبرز الرؤى التي أوصيت بها في كتابك «رؤى وتطلعات لمستقبل الثقافة في المملكة العربية السعودية»؟
هذا الكتاب نشر في 2010 م ونحن الآن في 2020 م , وبالرغم من أنه لم تمض أكثر من 10 سنوات، إلا أن القفزة النوعية الواضحة أحاطت أيضاً بوزارة الثقافة عندما أعلن الفصل بين وزارة الثقافة والإعلام، ووصولاً إلى استحداث 11 هيئة متخصصة, في الكتاب قمت بالمقارنة بين وزارة الثقافة في السعودية وفي فرنسا وفي الأردن, أردت من خلاله إلقاء الضوء على تجارب دول، وأن أوضح أهمية التعامل مع الثقافة بنفس مستوى التعامل مع التعليم, وإذا كان التعليم يدور حول المعرفة, فالثقافة تدور حول صناعة العقل وبناء المجتمع، وتعتبر البنية التحتية للتعليم، خاصة وأن هناك عوامل كثيرة خارج نطاق التعليم أصبحت تحرك وتشكل فكر المجتمع بجميع فئاته وخاصة الأطفال والشباب, جديرة بأن تجعلنا نتعامل مع الثقافة بشكل منهجي مدروس، وبالتالي عندما نقول: وزارة الثقافة فنحن نتحدث عن الخطط الممنهجة والميزانية المخصصة للتطبيق؛ وإذا تناولنا التجربة الفرنسية من جانب الخطط وتشكيل عقل الإنسان نجد كمثال على ذلك دعم انتشار المكتبات والمراكز الثقافية في الأحياء, دعم التأليف من خلال الجوائز السنوية الدائمة, حيث يوجد ما لا يقل عن (6) جوائز سنوية دائمة للكتاب على مستوى فرنسا، إحداها جائزة أعمال المرأة، التي بدأت بأن تعطى للنساء فقط, ثم أصبحت أوسع حيث تعطى لأعمال المرأة حتى لو كان من يكتبها رجل؛ إذ يعامل الكتاب وكأنهم نجوم سنمائيون حيث لوحات الإعلان في الشوارع تحمل صور الكتب والكتاب, كل ذلك تعتمد فيه سياسة الطوق الثقافي بحيث تدعم المناطق دعماً نوعياً خاصاً بالمنطقة, وتشجع على إبراز تراثها وفنونها وأطباق الطعام واللبس الذي تتميز به، بحيث يتولد من خلال هذا الدعم الإثراء، وفي نفس الوقت هناك الطوق الثقافي اللغة والهوية الواحدة التي تضم الجميع وحدة الوطن.
نفتخر بأن لجنة التراث غير المادي للشعوب والذي يتضمن الطعام والفنون واللباس, بأن المملكة العربية السعودية عضوة بها في (منظمة اليونسكو)، أما في جانب الميزانية والتشغيل وهذا جانب في غاية الأهمية, لأن الحديث ليس فقط عن الموارد المالية للتنفيذ وإنما - أيضاً - كيف تصبح الثقافة مؤثرة وذات دور رئيسي في المنظومة الاقتصادية, كأحد موارد الدخل وفتح فرص عمل, وهذا صلب الاقتصاد القائم على المعرفة, فمثلاً: منزل الكاتب فكتور هوجو, والرسام مونيه مفتوح أمام الجمهور بمقابل مالي, المتحف الخاص بالنحات رودان, كتب في لوحة كبيرة على مدخله أن هذا المتحف يغطي مصاريف التشغيل ذاتياً من خلال رسوم زيارة المتحف, والمعارض المؤقتة التي يقيمها بين وقت وآخر.
* كانت حنان رئيسة «اللجنة النسائية» بأدبي الطائف، فكيف تنظرين إلى مستوى حضور المرأة في الأندية الأدبية في المشهد الحالي وهل أصبح حضورها فاعلاً بعد دخولها كعضو مجلس إدارة؟.
هذا السؤال تحديداً لن أتطرق فيه لمدى تواجد المرأة في موقع صناعة القرار, وتحولها من التواجد عبر لجنة ضمن اللجان العديدة الأخرى للنادي الأدبي إلى التواجد كعضوة مجلس إدارة يقر ويناقش السياسات والأعمال التي سيتبعها، لأنني وبنظرة لما يحدث حولي أعرف أنه عبرنا مرحلة أن تكون المرأة أو لا تكون في الفعل الثقافي وفي صناعة القرار, والسؤال الآن: متى رئيسة النادي الأدبي؟ متى وزيرة؟ لكن إجابتي ستكون كمواطنة تُنتَظر من المؤسسات المعنية بالثقافة, وبالتأكيد النقاش سيقودنا إلى أنه آن الأوان لحل الأندية الأدبية الثقافية, وإنشاء مراكز ثقافية تنتشر في الأحياء, بحيث يصبح هناك مركز ثقافي في كل حي, وإنشاء جمعية أدباء يجتمع تحت مظلتها الأدباء بأنشطة ودعم للحراك الأدبي, يفتح المركز الثقافي أمام الأسرة بأكملها ويقدم دورات وأنشطة في جميع المجالات الفنية والثقافية, الرسم والموسيقى, والتمثيل, وبأسعار رسوم رمزية لتغطية مصاريف التشغيل ولا يهدف إلى الربح.
* بم تصفين المثقف والمؤسسة الثقافية أمام مرحلة التحول من الاستهلاك الثقافي إلى الإنتاج؟.
الإنتاج الثقافي مصطلح من الممكن أن نتناوله بأكثر من معنى, فإذا تحدثنا عن الإنتاج الثقافي بمفهوم إنتاج أفراد من المجتمع في مجالات الثقافة المختلفة, نستطيع أن نقول في مجال الكتابة والشعر والإنتاج الأدبي مروراً بالفنون الموسيقى والرسم, والتي يجوز لنا أن نطلق عليها أيضاً إنتاج ثقافي هناك الكثير من الذين تميزوا واستطاعوا أن يعبروا إلى خارج الحدود، وربما أحكي مثالاً على ذلك: طارق عبدالحكيم الذي حصل في 1977م، من «منظمة اليونسكو» على جائزة التميز في الموسيقى، حتى أنه في ذلك الوقت أرسل الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب إلى منظمة اليونسكو، يسألهم من هو طارق عبدالحكيم ؟! حتى يقدم على ملحنين نعرف بالتأكيد من هم وكانت إجابة منظمة اليونسكو الرسمية له، بأن طارق عبدالحكيم نشر ثقافة الجمال عندما قام بالتلحين لفنانين من أرجاء الوطن العربي.
مثل هذه القصة، توضح أن هناك إنتاجاً لشخصيات صنعت اسماً وتواجداً, وإذا أردت أن أصف ما يحدث الآن, أقول: إنه في السابق كان جهد أفراد، أما الحاضر فهو مؤسسة دولة تدعم من خلال سياسات ولوائح وأنظمة تعزز الإنتاج الثقافي وتفتح الأبواب له, وإذا كنا نعيش فترة انتقالية بين جهود فردية وبين جهود في ظل مؤسسة دولة تدعم, بقي النقاش حول بعض صناع القرار على مستوى التنفيذ, الذي فكره لا يواكب التطور، ولا يعي أن الحاضر له معطيات وعوامل ومعادلة مختلفة, ويترتب على ذلك أنه يستخدم صلاحياته في مقاومة التطور، مما يؤثر بشكل سلبي على الحراك الثقافي.
* سبق وأن مثلت المملكة كأحد أعضاء المندوبية الدائمة لمنظمة «اليونسكو» فما هي الدروس (المستفادة) التي خرجت بها حنان من تلك التجربة؟
عندما تتحدث عن منظمة اليونسكو فأنت تتحدث عن العالم، فمنظمة اليونسكو هي إحدى منظمات الأمم المتحدة, ينضوي تحت لوائها أغلب دول العالم 176 دولة, والمملكة العربية السعودية هي من أولى الدول التي وقعت على عضوية منظمة اليونسكو, وهي منظمة معنية بالتربية والثقافة والعلوم؛ ونفخر أن المملكة حصلت في الدورة الحالية على مقعد في المجلس التنفيذي للمنظمة، وأن المندوب الدائم للمملكة لدى منظمة اليونسكو، لأول مرة، هي سيدة سمو الأميرة هيفاء بنت عبدالعزيز آل مقرن، إذ إن المجلس التنفيذي هو الذي يتم فيه صناعة القرار.
أما عن تجربتي الشخصية في اليونسكو، فقد انضممت لمندوبية المملكة عام 2012م، مستشارة للتعليم العالي، وبالتأكيد هي تجربة ثرية، فنحن نتحدث عن دول العالم تجتمع تحت سقف واحد, بكل ما تحمله كل دولة من تجربة علمية وثقافية وتربوية, وفي منظمة اليونسكو عرفت معنى أنك لا تعيش على كوكب الأرض وحدك, ووعيت أهمية تحقيق التوازن بين مفهومين مؤثرين في حياتنا ونراه واضحاً في أزمة جائحة كورونا, مفهوم العولمة, العالم قرية واحدة، وبهذا نفهم كيف اجتاحت كورونا جميع دول العالم, ومفهوم التنمية المستدامة، الذي يتضمن التميز والخصوصية، والذي ظهر في الإجراءات المتباينة التي تم اتخاذها من قبل كل دولة وفقاً لظروف خاصة بها, وكيف أن التوازن بين هذين المفهومين يؤكد أن التطور والتنمية في بقعة من الأرض سيؤثر في العالم باعتبار أننا نعيش كوكباً واحداً.
* أنشأت مدونتك الخاصة «نفسيتك حلوة» وهي أشبه ما تكون بمدونة هاتف المحول فبما تصفين هذه المدونة؟
مدونة «نفسيتك حلوة» تهدف إلى تنمية ودعم الصحة النفسية، من خلال مقالات متنوعة، أقوم بترجمتها، ثم أعالجها للتوافق مع ثقافة مجتمعنا, لتخاطب القارئ بلغة المجلات والصحف، ولتسهل قراءتها إلكترونياً في أي مكان.