د.صالح العبدالواحد
فرحة العالم القصوى باكتشاف لقاح كورونا تتشابه كثيرًا مع الفرحة العالمية عندما تم اكتشاف لقاح لمكافحة شلل الأطفال. كان مرض شلل الأطفال كابوسًا يهدد البشرية، لا يماثله في الرعب سوى القنابل النووية.
ذلك المرض الذي يهدد حركة الإنسان ويسبب عقابيل مرهقة تستمر مع الإنسان طوال حياته انتهى تمامًا بفضل اللقاح.
لا يوجد تشابه بالفرح فقط جراء اكتشاف اللقاح، فقد تم اكتشاف وتطبيق لقاح شلل الأطفال في روسيا عن طريق الطبيبة الروسية هيلاري كوبروفسكي عام 1950، أيضًا قبل اكتشافه في أمريكا.
عندما اكتشف العالم الأمريكي جوناس سالك لقاح شلل الأطفال في عام 1952 عقد المسؤول الصحي الأمريكي الأول مؤتمرًا استمع إليه ملايين البشر من أنحاء العالم، وعمت الفرحة أنحاء المعمورة.
اللقاح الذي اكتشفه الدكتور سالك يتم حقنه تحت الجلد، ويتطلب حقن جرعتين بفاصل زمني ليتم بناء مناعة طويلة ضد المرض. رغم فعالية اللقاح إلا أن ضرورة الحقن مرتين جعلت تطبيقه صعبًا في الكثير من الدول النامية بسبب عدم حصول الأطفال على الجرعة الثانية. بعد عدة سنوات اكتشف طبيب أمريكي آخر اسمه سابين لقاحًا يتم تناوله عن طريق الفم ولا يحتاج إلى جرعة أخرى داعمة. انتشر لقاح ما بين الذي لا يسبب أي ألم ويتميز برخص سعر الإنتاج، وكونه يمنح مناعة دائمة من جرعة واحدة في جميع أنحاء العالم بسرعة هائلة. واختفى مرض شلل الأطفال من العالم بفضل هذا اللقاح.
من المثير معرفة أن الطبيبين لم يعملا سويًا، فكل طبيب عمل في مركز مختلف عن الآخر. ومن المثير أيضًا معرفة عدم قبول أي منهما حماية للملكية الفكرية للاكتشاف التي تصل في حسابات اليوم المالية إلى عشرة مليارات دولار لكل منهما على أقل تقدير.
يتشابه الطبيبان الأمريكيين أيضًا في ديانتهم اليهودية، واضطرارهم إلى تغيير أسماء عوائلهم حتى يستطيعوا الحصول على وظيفة في وقت اضطهاد اليهود العالمي. لقد كان لذلك أثر كبير لدى المجتمع الغربي المتعصب في القبول الاجتماعي لليهود في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقاح شلل الأطفال يتم باستخدام نفس الفيروس، سواء بعد إضعافه ليتم بلعه عن طريق الفم، أو استخدام الفيروس الميت وحقنه ليبدأ الجسم بناء المناعة بعد أن يتعرف على «جدار» الفيروس، ليقوم بصناعة الأضداد الخاصة به، ومكافحته فورًا في أي وقت يتعرض به الإنسان للفيروس.
لقاح كورونا الذي تم اكتشافه لا يعتمد على الفيروس نهائيًا، حيث لم يتمكن أحد من إضعاف الفيروس مخبريًا حتى الآن، وبالتالي لا يمكن استخدام غلاف الفيروس لصنع اللقاح كما هو الحال مع فيروس شلل الأطفال.
فكرة اللقاح الخاص بفيروس كورونا تعتمد على جزء مجهري دقيق من الفيروس. وإذا كان الفيروس لا يمكن التعامل معه إلا عن طريق المجهر الإلكتروني، فكيف يمكن التعامل مع جزيء أصغر بآلاف المرات من الفيروس. السبيل الوحيد لذلك كان تطوير تقنية تحليل سلسلة القاعدة الوراثية للفيروس ومن ثم تقنية الهندسة الحيوية للتعامل المخبري مع هذا الجزيء المستهدف.
تحقق ذلك بفضل تقنية RNAi. بعدها استطاعت البشرية الحصول على «الكود» الفيروسي المسبب للمرض.
بعد الحصول على هذا الجزئ، وهو القاعدة الوراثية المسببة للمرض، بفضل تلك التقنية، أمكن تحليل تسلسل جينات الفيروس وأتاح التعامل مع أصغر قطعة مسببة للمرض والتي تشكل البصمة الوراثية الخاصة للوباء.
هذه التقنية مكنت العلماء من استخدام mRNA، (وهو الحمض النووي المسؤول عن نقل المعلومات داخل الخلايا في الأحوال الطبيعية)، ومن ثم نقل «شفرة» فيروس كورونا إلى جسم الإنسان عن طريق الحقن العضلي. عندما يدخل جزيء mRNA الجسم عن طريق الحقن العضلي تقوم الخلايا العضلية بصناعة بروتين له نتوءات مماثلة لفيروس كورونا تماماً.
تدور هذه البروتينات في الدم، ويعاملها الجسم وكأنها فيروس كورونا فيقوم الجهاز المناعي من خلال تناغم بين الخلايا المناعية الخاصة في جسم الإنسان وتسمى T cell بالتعاضد مع B Cell لتكتمل في تطوير المناعة ضد الفيروس الحقيقي وصناعة الأضداد الخاصة به. ولأن البروتينات التي تم تصنيعها لا تحتوي على الجينات المسببة للمرض فإنها لا تسبب المرض نفسه، ولأن غلافها يشابه غلاف الفيروس فإن الجسم يقوم بصناعة الأضداد اللازمة لمكافحة الفيروس الحقيقي في أي وقت يدخل فيه الفيروس إلى الجسم. في الختام، هذه التقنية ليست جديدة جدًا، وهي نتاج بحث علمي على مدى عقدين من الزمن. ومن المؤسف أن مراكز الأبحاث الوطنية لا تتبنى الدراسات العلمية الناشئة وتحضنها للوصول إلى منتج طبي سعودي.
لا يوجد توضيح أكثر لذلك من وجود بحث بإسم طبيب سعودي تم تسجيله في مكتبة الملك فهد الوطنية، وعنوان البحث: «استخدام تقنية جينات الفيروس في مكافحة الأوبئة الفيروسية المعدية ذات الحمض النووي الريبي (فيروس كورونا المستجد في يومنا هذا)».
تم تسجيل هذا البحث الذي هو أساس لقاح كورونا اليوم منذ ستة عشر عامًا باسم الدكتور فواز عبدالرحمن لنجاوي، وبقي على الأرفف دون أي مساعدة أو تطوير.
عدة أسئلة تبحث عن إجابات مهمة:
لماذا لم يستمر الدكتور فواز لنجاوي في بحثه، لتقدم السعودية هذا اللقاح إلى العالم؟ هل هناك أبحاث أخرى يتم وأدها في المهد؟ كيف يمكن تطوير طريقة للتعامل مع ذلك؟
أعتقد أن الطريقة الصحيحة للتطور العلمي هي التحقيق في أسباب «عدم» تطور هذا البحث للمرحلة الثانية. لا يفيد الوطن وجود أبحاث وأفكار على الأرفف.
لا يوجد شيء أكثر مللاً من قراءة أو حضور محاضرات عن أسباب «النجاح» التي يقدمها الكثيرون، لتكون حافزًا لمن بعدهم. العنصر الحقيقي لنجاح الأمة هو معالجة الأخطاء والتحقيق مع كل مسؤول تم عرض هذا البحث عليه في تلك السنوات ولم يقدم الدعم اللازم لتطوره. إن ما نراه اليوم من جهود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في القضاء على أي عائق يقف أمام تطور البلاد سيجعل بحثًا مثل هذا البحث يتطور ليصب في بناء الوطن حيث التنمية الاقتصادية الآن تعتمد على الاكتشافات والأبحاث أكثر من أي شيء آخر. إن التحقيق في أسباب وقف تطور الدكتور فواز لنجاوي يهدف إلى فتح المجال لمن يملك آفكارًا علمية تسهم في بناء الوطن، وعدم وأدها في المهد.
أصبح إنشاء لجنة وطنية لدراسة الأفكار العلمية والتجارية مطلبًا للحفاظ على الأفكار التي تنشأ منها المشاريع الجبارة. هذا سيقضي على اعتماد المزاج الشخصي، والواسطة، والقرب العائلي من المسؤول حيث لن تتعدى أبحاثنا الأرفف، ولن نستغني عن استيراد كل ما يلزم من المواد الأولية إلى العقول.
لم تدخر حكومة المملكة العربية السعودية أي جهد في التعليم من بناء الجامعات، ودعم البعثات ورعاية الكفاءات.
إن البحث عن الأسباب وراء عدم تسجيل هذا الاكتشاف باسم الوطن يجب أن لا يمر دون بحث، ذلك سيكشف لنا الكثير عن العوائق وعن العقول المتحجرة التي تقف عقبة أمام التطبيق العملي للأفكار العلمية.