د. محمد بن إبراهيم الملحم
عقدت هيئة تقويم التعليم والتدريب هذا الأسبوع في الثلاثاء 24 من ديسمبر 2020 لقاءًا جمع الإعلاميين بمسئولي وباحثي الهيئة في مجال الاختبارات الدولية، ودعت الهيئة عدداً من كتاب الرأي ومنهم كاتب هذه الزاوية، وعنونت للقاء «تجارب دول العشرين في إصلاح سياسات التعليم بناء على تقارير الدراسات الدولية ودور الإعلام في استثمارها»، حيث هدفت من خلاله أن توضح لهم ما المقصود بهذه الدراسات وأنها ليست مجرد اختبارات وأن نتائجها «الترتيبية» للدول هي ليست كل شيء بل هناك فوائد ومنافع جمة من خلال المعلومات التي تقدمها، وبدا تماماً أن الهيئة الموقرة كانت حريصة على التواصل مع الإعلاميين لتقدم لهم وجبة ثقافية مهمة في هذا الجانب وكذلك تستمع إليهم مباشرة وتستفيد من أطروحاتهم، وأحيي في الواقع الهيئة على هذه الخطوة الجميلة، وهي في محلها ومكانها، وقد كان حضور معالي رئس الهيئة د. حسام بن عبدالوهاب زمان طوال الجلسة وتعليقاته المهمة أثرها في رفع قيمة اللقاء، وباستمرار هذه اللقاءات سيتمكن الكاتب «غير المختص» من إدراك بعض الجوانب التي تخفف من حدة نقده المتسرع ليكون أكثر واقعية وتماشياً مع أهداف الحدث خاصة الدراسات الدولية وما فيها من تفاصيل لا يلم بها إلا المختصون، وأعتقد أني قدمت مثالاً لذلك فيما كتبته من سلسلة مقالات تناولت نتائج هذه الدراسات بالتحليل انطلاقاً من بيانات الجهة المنفذة والمنشورة على مواقعها الرسمية، ووضحت فيها لمتخذي القرار أين الجوانب التي ينبغي النظر فيها لمزيد من البحث أو لخطط إصلاحية.
وإن مثل هذا اللقاء ينبغي أن تعقده الوزارة من باب أولى (مع القيمة الكبرى لما تفضلت به الهيئة) وذلك لأنها المعنية بنتائج ومخرجات التعليم في المقام الأول، وهي المعنية بتوضيح موقفها من هذه النتائج، سواء نتائج الاختبارات أو نتائج الدراسات وما تشير إليه، وفي تصوري أن الموقف لا يخلو من حالتين: الأول أن تقدم خطة أو مسودة خطة لما تزمع أن تقوم به استجابة لما أشارت إليه الدراسات، والثاني أن تعلن عدم اعترافها بمصداقية هذه النتائج بشكل أو بآخر ! أما الصمت المحض فهو علامة استفهام كبرى... ويمكن أن يقول قائل إن الوزارة أعدت خارطة طريق لتحقيق أهداف رؤية 2030 لتطوير التعليم وهي كافية للاستجابة لمؤشرات هذه الدراسة، ولكن هذه الإجابة الدبلوماسية لا ترضي شغف المهنيين الذين يرون أن دراسة دولية مثل هذه لابد أيضاً أن تربط نتائجها «واحدة واحدة» بمبادرات initiatives خطة تحقيق الرؤية، وما لا يوجد له رابط تستحدث له مبادرات جديدة سواء تنفذ حالياً أو تجدول لخطط قادمة، لكن لا بد أن يكون هناك إجراء Action . كما أن بعض نتائج الدراسات الدولية قد لا يترتب عليها إجراءات ولكنها تقدم مؤشرات لضرورة إجراء مزيد من البحث الدقيق لكشف أين يكمن الخلل، وهنا يجب أن تعلن الجهات ذات العلاقة بخططها البحثية لكشف هذه الجوانب للتماهي مع الدراسة الدولية والتكامل معها، وفي نظري ما لم يتم أيا من ذلك فمعناه أننا يجب أن نتوقف عن الدخول في هذه الدراسات وهدر المال والجهد والوقت وتدريب الطلاب والمعلمين عليها فلن يزيدنا ذلك إلا ثباتاً على مستوياتنا الحالية فيها، هذا إذا لم تتراجع لا سمح الله.
إذا قامت الوزارة وبقية الجهات بتواصل إعلامي مبكر من هذا النوع حال صدور النتائج ووضحت خططها التي تجلي فيها كيف تستجيب لنتائج هذه الدراسات سيكون رد الفعل الإعلامي متناغماً مع هذه الروح البناءة الطموحة، بغض النظر أين نحن الآن... من يكتب في الإعلام له طموحات وطنية يتطلع إليها لترتقي الخدمات ويتحسن المستوى، وكلما صمتت الجهة المسئولة وفضلت أن تعمل بصمت في مثل هذه الحالة فإنها تفتح على نفسها أبواب الشك والقلق الذي يتنامى لدى كل قلم، لاسيما أن هؤلاء تحت ضغط الإرث التاريخي لعدم تحقيق تقدم «ملموس» خاصة فيما يتعلق بروح العملية التعليمية وهو «التعلّم» وتحسين مستوى المخرجات التعليمية، أما المباني والكتب والتجهيزات والكمبيوترات فهي دائماً في أفضل حال أو من حسن إلى أحسن فقد ظلت حلبة للتطوير لعهود مضت وربما لا تزال! وكم يدهشني أحياناً من يتحدثون أن تعليمنا بخير عندما يستشهدون بنتائج الموهوبين أو نتائج المسابقات الدولية والتي يضخ فيها أفضل الطلاب تفوقاً وقدرة عقلية بعد أن يتم تدريبهم لفترات زمنية معتبرة في ورش عمل متميزة وبأفضل المتخصصين لكي يتقنوا مهارات موضوعات تلك المنافسات! وتزيد الدهشة عندما يتكرر هذا الاستشهاد في عدة مواقف متنوعة من متخصصين يفترض أن لديهم قراءة واعية للنتائج والأرقام ودلالاتها والعينات وتمثيلها !
أكرر شكري لهيئة تقويم التعليم والتدريب التي بادرت بمد جسر تواصل ناجح مع الإعلاميين، وأشكر لها شفافيتها ورؤيتها الطموحة للأفضل، وأشيد بحسن تنظيم اللقاء والاهتمام الواضح من مسئولي الهيئة والمنظمين بتحقيق كل ما من شأنه نجاح اللقاء، ننتظر اللقاءات القادمة والتي يمكن أن يستضاف فيه أيضاً ممثلون ذوي علاقة وصلاحية من وزارة التعليم.
** **
- مدير عام تعليم سابقا