مها محمد الشريف
قد يكون من البديهي توصيف المشهد العربي بأنه في أسوأ أيامه فالفوضى تعم دولا عديدة فيه بل وأصبحت من أكثر دول العالم خطورةً بعد ان كانت مستقرة، لكن اعتبار أن ما حدث فيها من فوضى وحروب أهلية ناتجة عن ما سمي بالربيع العربي ليس إلا قراءة قاصرة لا تغطي كل أسباب هذه الفوضى، ويضاف لها أسباب اقتصادية وإدارية وفساد لكن بالمقابل هناك عامل كان خطيراً ويتسلل ببطء لعالمنا العربي عبر تلك الدول، أدى بالمحصلة لحدوث اختراقات كبرى في بعضها، نتج عنه فوضى عارمة واعتبر عاملا مهما وهو عدم نضج مفهوم الأمن القومي العربي الذي أقل ما يتصف به بالتخاذل الكبير للتضامن بين الدول العربية.
لم نغادر الملاحظات زمناً طويلاً لكي نعود لها فهي أصبحت ملازمة لنا بسبب استمرارية انتهاكات إيران، ومظهر من مظاهرها انتشر على دفعات وخاصة في تسلسلها فجعلها متعاقبة، وذلك عكس تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدين الانتهاكات الإيرانية لحقوق الإنسان والذي أثار كثيرًا من التساؤلات حول التصويت على القرار، والأكثر غرابة لم يصوت مع القرار إلا أربع دول: السعودية والإمارات والبحرين واليمن وبقية الدول العربية انقسمت بين ضد القرار والامتناع عن التصويت.
يبدو لي أن الملاحظات الآنفة الذكر ترتبط بالحال نفسه بداية من حقوق الإنسان إلى سيطرة إيرانية على مفاصل بعض الدول والبعض الآخر يقيم علاقات اقتصادية وسياسية مع طهران وأمثلة مستقاة من عدم امتثال كامل لميثاق الجامعة العربية، ورفض القبول بواقعه، فالقصة لم تبدأ من عام 2010 مع نشوء الفوضى بهذه الدول بل يعود لأحداث كثيرة سابقة إذ وقفت سوريا ضد العراق لجانب إيران في حرب الثماني سنوات في ثمانينيات القرن الماضي، بل سمحت وسهلت لها الدخول للبنان لتعمل بذلك أول خطوات اختراق إيران للأمن القومي العربي، فدفعت سوريا ولبنان الثمن لاحقا لهذا التهور والخطأ الاستراتيجي التاريخي، ولا تقل أخطاء علي عبدالله صالح باليمن عن نظيره السوري بشار الأسد إذ تغاضى عن دعم إيران للحوثيين ببلده حتى يبتز دول الخليج بهم، فدفع الثمن بفوضى شرسة في بلاده بل وقاموا بقتله بعد ذلك، أما القذافي فهو من أكثر المتآمرين على الأمن القومي العربي وتسريبات تسجيلات خيمته الشهيرة توضح ذلك بينما تعيش بعض دول المغرب العربي حالة عزلة عن المشهد العربي رغم اكتشاف محاولات غزو ثقافي إيراني لها، ومع ذلك يبقى موقفها ضعيفا بمواجهة إيران والأمر ينطبق على دول عديدة لا ترى مخاطر التدخل الإيراني، وبصورة مفصلة تأتي دويلة قطر أكثر التصاقًا بنظام طهران.
ولا يقل التهاون في تغلغل تركيا بالعديد من الدول العربية خطورة عن تدخلات إيران وأيضا يساعدها بذلك تنظيم الإخوان المسلمين في مصر وفلسطين وسوريا الذين حولت فصائلهم لمرتزقة تقاتل في جبهات عربية وغير عربية وكذلك الحال يسير تباعًا من قطر التي تسهم بتمويل تحركات تركيا ومرتزقتها، مما يعني أننا أمام مشهد خطير دفع ثمنه من تخاذلوا في فهم الأمن القومي العربي بل وحطموا هذا المشروع كما فعل صدام حسين عندما احتل الكويت عام 1990 مدمرًا بذلك العراق والكويت ومعها المشروع القومي العربي.
فالتضامن المفقود، الذي يسيطر على كل المشاهد في الموقف العربي يدعو للأسف لأنه أكثر هزيمة في مرحلة ذات مهملة وفي عالم بلا معنى يعتمد على الظروف الحالية بقائمة من العقبات التي تدور رحاها في الدول العربية، مقدماً رؤى غير متوقعة تضرب في التخاذل أطنابها أكثر وأكثر وتمر بمراحل متقلبة في عصر يحمل وتيرة تفكك غير متوقعة، وعطفا على الوضع الحالي وما يفرضه من انعكاسات يترتب عليها الأمن القومي وميثاق الجامعة العربية بأن يتخذ موقفاً موحداً من إرهاب إيران.
لتدارك عواقب هذه السياسة وما يشوبها من التخاذل، مناقشة أسبابها ومعدلات العزوف عن التصويت، لأنه إذا استمر التهرب من المسؤولية وتعذر معها التحكم في المشكلات الأكبر حجماً ومواقفها، والتأثير الإيراني الطاغي على كل المسؤوليات ونزاعات المصالح فهم أصبحوا كمن ينشط في عالم ويبصر في عالم آخر، ولذا فإن الموقف يتعارض مع الأمن العربي وعلى الدول العربية اصطفاء الاختيارات وتنقيتها من الشوائب لكي تخلو من الاعتباط والتهور والأنانية التي تدفع المراهنين إلى الاستخفاف بالتضامن العربي والتعددية المنحازة.