رمضان جريدي العنزي
أصبح الأدعياء يتكاثرون هذه الأيام كالدود والنمل وحصى الأرض، لهم ألوان وأشكال وأصوات مختلفة ومتنوعة؛ فهناك أدعياء علم، وأدعياء اقتصاد، وأدعياء أدب، وأدعياء شعر، وأدعياء طب شعبي، وأدعياء تنمية وتدريب، وأدعياء استشارة، وأدعياء تحليل وقراءة سياسية.. يتبارون فيما بينهم وفق سباق محموم، لكنه عشوائي وباهت. بعضهم لا يستطيع تشكيل جملة واحدة أنيقة، ولا يميز بين المبتدأ والخبر، ولا يعرف الفرق بين الجار والمجرور، أو بين السكون والضمة والشدة. بعضهم جعل من نفسه خبيرًا اقتصاديًّا، وبعضهم جعل من نفسه أديبًا بارعًا، وبعضهم جعل من نفسه شاعرًا مغايرًا، وبعضهم جعل من نفسه طبيبًا شعبيًّا يعالج كل الأمراض، السهلة منها والمستعصية، وبعضهم جعل من نفسه مدربًا للتنمية البشرية لا يشق له غبار، وبعضهم جعل من نفسه مستشارًا، استشارته هي الحل والحد والفصل والفاصلة، وبعضهم جعل من نفسه شاعرًا يوسم نفسه بالألقاب والصفات والميزات، وبعضهم الآخر جعل من نفسه خبيرًا سياسيًّا وكأنه منجم يضرب بالرمل والودع. لقد ظهروا هكذا فجأة، وتسلطوا علينا غصبًا وعنوة، وهم الذي لا يملك بعضهم مؤهلات تجعله مؤهلاً حقيقيًّا لهذه الأعمال الثقيلة. إن الادعاء بضاعة المفلسين؛ كونه سهلاً وبسيطًا ويسيرًا، ولا يحتاج إلى كد وتعب ومجازفة. إن مشكلة الناس الأسوياء مع الأدعياء قديمة جديدة، لكنها استفحلت هذه الأيام. إن الأدعياء مجرد متطفلين، ظهروا على الساحة، وبرزوا فجأة دون تأهيل علمي وخبرة حقيقية. إنهم مجرد متعالمين، لا قدم لهم في منازل العلم والحال والواقع، وليس لهم سوى الحيلة واللف والدوران، وتضخيم النفس، وتفخيم الذات، وليس عندهم معرفة سوى القيل والقال، وزعم الصفاء والكمال. لقد قلبوا الحقائق، وغفلوا عن قول الحقيقة، وعملوا بما تشتهيه أنفسهم. إن لهؤلاء هزات وانكسارات، يتسلون بكلام واهن، وادعاء باطل، وفق نعوت متعددة، وألفاظ لا وجود لها في قاموس الواقع. لهم تخيلات وتهويمات وآراء مجافية للواقع. لقد انغروا بالظهور الإعلامي فراموا الفلسفة الباهتة دون أن يملكوا زاد الحقيقة والمعرفة؛ لذا هم يعيشون بوهمية عالية، وسطحية ظاهرة. إنهم يريدون أن يرفعوا أنفسهم من الأرض، ويعلوا بها نحو الفضاء، هكذا يعتقدون ويبتغون ويأملون، لكن ما عرفوا أن المتلقين أصبحوا يملكون عقولاً راجحة، وأفكارًا ناضجة، وقراءات ذكية.