م. خالد إبراهيم الحجي
إن شبكات التواصل الاجتماعي تعد أقوى أنواع وسائل التواصل بين الناس في الوقت الحاضر مثل: الفيس بوك، وتويتر، والواتس أب، والانستجرام، والسناب، ومن أهم مزاياها أنها تمكن مستخدميها من بناء قواعد عريضة من المتابعين أعدادهم بالآلاف أو الملايين.. وعندما يكون المتابعون من المخلصين المتعصبين، فإنهم يصبحون منابر إعلامية لنشر الأخبار والآراء المنحازة، أو بشكل أساسي بهدف تأييد الأجندات الخاصة من خلال عرض الحقائق بطريقة انتقائية، أو عن طريق لي أعناق النصوص الدينية، وهو سلاح ذو حدين لأن الملحدين يستطيعون أيضاً فعل ذلك، أو ربما بطريقة الاجتزاء، عن طريق الإغفال المتعمد لبعض السياقات، للوصول إلى تركيبة أو توليفة معينة تخدم الانتقائية المقصودة، مع عدم التردد في استخدام رسائل مبطنة لدغدغة العواطف بدلاً من العرض الموضوعي العقلاني للأخبار.. والبيئة الافتراضية العريضة التي أسسها الرئيس ترامب على شبكات التواصل الاجتماعي منحته القدرة الفائقة على إيصال أفكاره إلى جحافل من المتابعين المخلصين المتعصبين، بلغ عددهم ما لا يقل عن 88 مليون متابع على توتير، وأكثر من 31 مليونًا على فيسبوك، وأكثر من 23 مليونًا على إنستجرام، اعتادوا على الاستماع إليه أكثر من ثلاث مرات في اليوم، للتأثير على مواقفهم تجاه رأي أو حالة أو قضية معينة. كما استخدم هذه البيئة التحتية الافتراضية لتكوين منتدى خاصاً به، يُبْرز اتجاهاته السياسية والصحية والاقتصادية والعسكرية، وينشر ثقافته، ويزيد من مساحته الشخصية في المجتمع الأمريكي، ويُمَكِّنه من التأثير المستمر على جمهور المتابعين لجذبهم واستقطابهم؛ لذلك أصبحت هذه البيئة التحتيه الافتراضية قاعدة صلبة لمنصته الإعلامية المفضلة التي ينشر منها الأخبار، والمعلومات والثقافات التي يريدها لأنصاره المخلصين، المتعصبين الذين عاهدوا أنفسهم على حمل لواء الآراء والقيم والمعتقدات التي يؤمن بها، وأخذوا على عاتقهم إذاعتها ونشرها إلى المتابعين الآخرين الذين يحملون ثقافات ذات الطابع المشترك، على غرار بعضهم البعض في الآراء والقيم والمعتقدات، وطرحها للمناقشة والحوار والتفاعل، والتواصل الفكري والثقافي بينهم، ونشرها داخل مجال مجتمعاتهم الافتراضية (الجروبات) التي يتم فيها أيضاً نقل الأخبار إلى بعضهم البعض، عن طريق الإحالة والتداول والتراسل بين الأقارب والزملاء والأصدقاء، أسرع من وصولها مباشرة من الإعلامين والصحفيين.. ومما لا شك فيه، أن هذه البيئة التحتية الافتراضية على شبكات التواصل الاجتماعي، قوية ومتينة إلى درجة أنها ستمكن من إبقاء أنصاره المخلصين المتعصبين في فقاعة معلومات، لفترة طويلة بعد مغادرته منصب الرئاسة الأمريكية. وسيصبح كل متابعٍ متعصبٍ ناشراً مؤيداً له، يضيف بأسلوبه الخاص قسطاً من آراء وقيم ومعتقدات الرئيس في سلة الأخبار والمعلومات على منصات التواصل الاجتماعي، وهذه الإضافات الشخصية ستأخذ في التنامي إلى درجة أن البعض يكرسون لها أنفسهم، و يتفانون في ممارستها على شبكات التواصل الاجتماعي، ليصبحوا أيضاً مدونين مشهورين يتبعهم الآلاف، بل الملايين؛ وبالتالي يظل جمهوره مخلصاً ومحباً له بسبب قدرته على التواصل معهم، عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتوظيف المستمر لها، لحماية شعاره الشهير «أمريكا أولاً» بطريقته الخاصة المليئة بالإثارة الجذابة، والتطرف السياسي، والاستقطاب الحزبي.. لقد استطاع دونالد ترامب أن يكسر العديد من المعايير كرئيس، ويؤسس أكبر بنية تحتية للاتصال المباشر بينه وبين مؤيديه في تاريخ السياسة الأمريكية الحديثة، حققت له نجاحاً متميزاً، فضلاً عن نجاحه الطبيعي، الذي خلصت إليه بعض الدراسات بأن سر إعجاب أنصاره به وحبهم له قد يكمن في جاذبيته الجسدية، لأن حصوله على أكثر من 72 مليون صوتاً في انتخابات الرئاسة الأمريكية ضد بايدن، يجعله الرئيس الأكثر شعبية من أي خاسر رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الرقم القياسي يُظهر بوضوح قاعدة الدعم الكبيرة التي يتمتع بها الرئيس ترامب عند الجمهور الأمريكي.
الخلاصة
الدستور الأمريكي لا يشترط أن تكون الرئاسة الأمريكية على فترتين متتابعة، ولا يوجد سبباً للاعتقاد بأن دونالد ترامب لن يرشح نفسه للرئاسة الأمريكية لفترة ثانية.