ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في حسن الخلق. وقد بيّن -عليه الصلاة والسلام- أن بعثته كانت لإتمام مكارم الأخلاق؛ إذ قال: (إنَّما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق). وشهد الله -تعالى- لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بعظم الأخلاق؛ إذ قال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. ومما ينبغي الإشارة إليه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر أصحابه بمخالقة الناس بخُلق حسن مصداقا لما رواه أبو ذر -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «اتقِ الله حيثُما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِق الناسَ بخُلق حسن». وقد وصف الصحابة -رضي الله عنهم- عظم أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبيّنوا أنه كان أحسن الناس خلقًا مصداقا لما رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خُلقًا»، إضافة إلى ما رُوي عن صفية بنت حيي -رضي الله عنها- أنها قالت: «ما رأيت أحدًا أحسن خلقًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-».
يقول سانت هيلر في كتابه (الشرقيون وعقائدهم): «كان محمد رئيسًا للدولة، وساهرًا على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها؛ فكان النبي داعيًا إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفًا ورحيمًا حتى مع أعدائه. وإن في شخصيته صفتَين، هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية، هما العدالة والرحمة». ويقول المستشرق الإيطالي ميخائيل إيمارى في كتابه (تاريخ المسلمين): «وحسب محمد ثناء عليه أنه لم يساوم ولم يقبل المساومة لحظة واحدة في موضوع رسالته على كثرة فنون المساومات، واشتداد المحن. وهو القائل (لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته). عقيدة راسخة، وثبات لا يقاس بنظير، وهمة تركت العرب مدينين لمحمد بن عبد الله؛ إذ تركهم أمة لها شأنها تحت الشمس في تاريخ البشر». ويقول المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون: «وحيث ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد - صلي الله عليه وسلم - من أعظم من عرفهم التاريخ. وأخذ بعض علماء الغرب ينصفون محمدًا -صلي الله عليه وسلم-، مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف بفضله».
كان عليه الصلاة والسلام يلقَّب بالصادق الأمين إشارة إلى صدقه في الأقوال والأفعال، وأمانته في رد الودائع والتجارة والبيع والشراء وغيرها. كما كان يُعرف بنبل أخلاقه ورفعتها، وترفُّعه عن الفحش في الأقوال والأفعال؛ فلم يسرق، ولم يظلم، ولم يفعل السوء في حياته قط حتى قبل أن يُبعث نبيًّا. وقد كان عليه الصلاة والسلام شديد الحياء حتى أنه وُصف بأنه أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان عليه السلام كريمًا حليمًا رفيقًا، يجالس الفقراء والمساكين، ويعطف عليهم، وفي ذلك نزلت الآية الكريمة: {... وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ...} (159) سورة آل عمران.
نشرت صحيفة (شارلي إيبدو) الفرنسية الساخرة رسومًا كاريكاتورية تسيء إلى نبي الرحمة؛ وجاءت موجة من الانتقادات والغضب من المسلمين بعد تأكيد الرئيس الفرنسي ماكرون أن بلاده لن تتخلى عن مبدأ الحرية في نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ويبدو أن الاتهامات التي يوجهها ماكرون للإسلام ما هي إلا غطاء لكي يتقرب من اليمين المتطرف في فرنسا بعدما كان يصفه اليمينيون بالتراخي مع المسلمين؛ إذ يُعرف الأخير بتشدده تجاه ملف المسلمين وملف المهاجرين، ويمثل النزعة المتطرفة في الداخل الفرنسي.
الإساءة إلى الأديان بقيمها ورموزها وطقوسها بوساطة مختلف وسائل الإعلام أمرٌ مخالف لما تتضمنه قواعد القانون الدولي على المستويَيْن العالمي والقاري من مبادئ تحرّم الإساءة إلى الأديان، وتدعو إلى التسامح، وتنبذ مختلف صور التمييز، سواء كان عرقيًّا أو إثنيًّا أو دينيًّا، استنادًا إلى مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق المنبثقة.
وعن مصطلح حرية التعبير التي تسعى إليه الصحيفة الفرنسية، فلو رجعنا إلى العام 2009 فقد طُرد رسام الكاريكاتير والصحفي في مجلة شارلي إيبدو «موريس سينيه» من عمله عبر إجباره على تقديم استقالته؛ والسبب كان رسمًا كاريكاتيريًّا، انتقد فيه زواج «جان ساركوزي» ابن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي من اليهودية «جسيكا دارتي» وريثة عائلة دارتي الثرية، وتحوُّله إلى اليهودية بدافع المال. وانتقاد «سينيه» لم يكن ضد الدين اليهودي، ولم يكن مسيئًا له بأي شكل، لكن مجرد الإشارة إلى اليهود كان كافيًا لاتهامه بمعاداة السامية، وتحويله للمحاكمة، وطرده من عمله.
حينها لم تدافع المجلة عن موظفها، ولم تتبجح بكذبة حرية التعبير لتبرير عمله، ولكن عندما أساءت إلى الرسول الكريم بررت الصحيفة بأن هذا حرية تعبير!
يقول الفيلسوف الدنماركي روسين كيركغاد: «الناس تطالب بحرية التعبير للتعويض عن حرية التفكير التي نادرًا ما يستخدمونها». شارلي إيبدو ليست كيانًا يفكر على المستوى الإنساني، ولا على المستوى الأخلاقي والاجتماعي، ومثلها كثيرون؛ لذلك تلجا للتبجح بحرية التعبير مثل الكثير من الحكومات والمسؤولين الغربيين لتبرير انتهاكاتها لحقوق الآخرين.
وقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قرارها بعدم اعتبار الإساءة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- نوعًا من حرية الرأي، وذلك في انتصار للعالم الإسلامي بعد أزمة الرسوم المسيئة التي نشرتها صحف أوروبية عدة في أوقات متفرقة تحت الزعم بأن تلك الرسوم تندرج تحت بند حرية الرأي والتعبير.
وقد أكدت المملكة العربية السعودية دعوتها إلى أن تكون الحرية الفكرية والثقافية منارة تشع بالاحترام والتسامح والسلام، وتنبذ كل الممارسات والأعمال التي تولد الكراهية والعنف والتطرف، وتمس بقيم التعايش المشترك والاحترام المتبادل بين شعوب العالم. واستنكرت بشدة هذه الرسوم التي تسيء للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- تحت بند حرية التعبير.