في 25 نوفمبر تحتفل البوسنة والهرسك بيومها الوطني، إضافة إلى عيد الاستقلال الذي يتم الاحتفال به في الأول من مارس كل عام، يعد هذان التاريخان أهم تاريخين في المناسبات الوطنية لهذه الدولة الأوروبية والبلقانية.
كما تحتفل البوسنة والهرسك هذه الأيام بمرور 25 عامًا على اتفاقية دايتون، تلك الاتفاقية التي أوقفت ماكينة الحرب، وجلبت السلام والأمان إلى البوسنة والهرسك والمنطقة، وسمحت لها بالنمو والازدهار والتقدم.
تعد البوسنة والهرسك من أقدم دول أوروبا الشرقية، فمنذ سقوط مملكتها تحت الحكم العثماني عام 1463م قامت بتغيير العديد من أنظمة حكم الدولة، لكنها ظلت دائمًا محافظة على خصوصيتها، والرغبة في الحرية. ففي خضم الحرب العالمية الثانية في 25 نوفمبر عام 1943م، وفي الجلسة الأولى لـ (مجلس مقاومة الفاشية والتحرير الشعبي للبوسنة والهرسك) في مركونيتش غراد تم اعتماد قرار (المجلس) والذي تم من خلاله التعبير عن رغبة شعب البوسنة والهرسك أن تكون دولتهم مجتمعًا أخوياً تتحقق فيه المساواة للجميع، إضافة إلى المساواة لجمهورية البوسنة والهرسك في داخل فدرالية يوغسلافيا المستقبلية، مع كل الحدود التاريخية الممتدة من دولة البوسنة في القرون الوسطى. تجديد استقلال البوسنة والهرسك الحديثة جاء بعد الاستفتاء الذي أقيم عام 1992م، في حين يعد العدوان الذي وقع عليها محاولة لمنازعتها تلك الوطنية. اتفاقية دايتون جاءت مؤكدة لتلك السيادة، وأسست لتركيبتها السياسية الجديدة.
ولكن في هذه الحكاية حول صمود دولة البوسنة، الدولة التي تمتعت بتعدد طوائفها منذ القرون الوسطى، والتي تتشعب فيها التنوعات بدل أن تتخالف، هناك مكانة خاصة للمملكة العربية السعودية، فقد كانت المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال البوسنة والهرسك، فخادم الحرمين الشريفين في ذلك الوقت، الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - كان يقود الجهود من أجل إيقاف الحرب والوصول إلى السلام. قامت المملكة بإعطاء مبنى في تلك الأوقات الصعبة إلى الدولة الفتية لتستخدمها سفارة البوسنة والهرسك في واشنطن، ذلك المبنى كان أقرب إلى البيت الأبيض من سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن، تلك السفارة لعبت دورًا مصيريًا في نقل الحقائق التي كانت تحصل في البوسنة، وبعد الحرب استمرت المملكة العربية السعودية في دعم إعادة إعمار البوسنة والهرسك.
والشخصية التي كانت مسؤولة بشكل مباشر عن دعم البوسنة والهرسك في ذلك الوقت كان أمير منطقة الرياض في حينها، والملك الحالي للمملكة، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي قام بزيارة البوسنة والهرسك مرتين. بعد أن بويع الملك سلمان بالملك كانوا يقولون في البوسنة إننا حصلنا على ملكنا، وفي الحقيقة الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد، وكذلك حكومة وشعب المملكة العربية السعودية لديهم تعامل خاص مع البوسنة والهرسك، الأمر الذي أشهد عليه كسفير للبوسنة والهرسك في المملكة.
اليوم تمتد الروابط التاريخية بين المملكة العربية السعودية والبوسنة والهرسك وتتعمق في جميع المجالات، فاهتمام السياح ورجال الأعمال بالبوسنة والهرسك يزداد يومًا بعد يوم، جمال الطبيعة، كرم ضيافة البوسنيين، الأمن والسلام اللذان يزينان البوسنة والهرسك يجذبان أعدادًا كبيرة من مواطني المملكة العربية السعودية. انتشار الوباء «كوفيد- 19» ساهم في إبطاء بعض المشاريع لكنه لم يوقفها تمامًا.
فقد قامت بعض الشركات الكبرى في السعودية بالإعلان عن البدء بمشاريع استثمارية لها في السياحة والمجالات الأخرى، شركات كثيرة أعلنت عن خطوط طيران مباشرة، وكل يوم يزداد عدد السعوديين الذين يعلنون أنهم سوف يزورون البوسنة والهرسك، مع وجود عدد كبير منهم يملكون عقارات لهم هناك.
البوسنة والهرسك في طريقها الآمن نحن عضوية الاتحاد الأوروبي، أنظمتها وقوانينها سوف تتسق مع مثيلاتها من الدول الأخرى في الاتحاد، جميع الذين يستثمرون في البوسنة والهرسك يمكنهم منذ الآن الاعتماد على أسواق منطقة غرب البلقان التي تتصرف كسوق حرة، لكن يمكنهم الاعتماد أيضًا على أسواق الاتحاد الأوروبي التي يتم زيادة الصادرات إليها منذ الآن بسهولة ودون قيود، كذلك تخطط البوسنة والهرسك لتسهيل نظام التأشيرات، كل هذا يدل أن تعاون دولتين شقيقتين وشعبيهما سوف يكون أقوى لما فيه مصلحة كل منهما.
كل نجاح للبوسنة والهرسك هو نجاح للمملكة العربية السعودية، وذكرى اليوم الوطني وإبرام السلام هو أفضل طريقة نتذكر بها طريقنا سويًا. ما أمامنا، بروح رؤية المملكة 2030، وبحديث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أمام التشكيل الجديد لمجلس الشورى، ينبئ بمستقبل مشرق لتلك العلاقات.
** **
محمد يوسيتش - سفير البوسنة والهرسك لدى المملكة العربية السعودية