د. فهد صالح عبدالله السلطان
إضاعة الوقت في متابعة ما يهم الإنسان أكثر من استثماره فيما يمكنه التأثير فيه خطأ يقع فيه الكثير منا.. وهو ما يعرف في الفرق بين دائرة الاهتمام ودائرة التأثير..
ربما يلاحظ على بعضنا كثرة إضاعة الوقت بمتابعة الأمور التي تقع في الدائرة الأولى على حساب الدائرة الثانية. نهتم بالقضايا العامة التي لا يضيف اهتمامنا لها أي قيمة، ولا نستطيع التقديم أو التأخير فيها، بينما لا نعطي اهتمامًا كاملاً ونستثمر وقتنا وجهدنا في الأمور التي يمكننا التأثير فيها.. معظم اللقاءات الاجتماعية في مجتمعنا يتم فيها مناقشة قضايا عامة (دائرة الاهتمام)، وفي ذلك سلبيات كثيرة، منها: إضاعة الوقت فيما لا طائل أو فائدة فيه، احتداد النقاش في كثير من الحالات بما يؤول إلى الشحناء والتنافر بين أعضاء المجموعة بسبب اختلاف وجهات النظر في قضايا لا يقدمون فيها ولا يؤخرون، ضياع الفرصة على الأعضاء في الاستفادة من بعضهم أمور ثقافية أو دينية أو اقتصادية... إلخ.
معظم الخلافات الاجتماعية تعود لاختلاف في وجهات النظر في أمور عامة لا تدخل ضمن اختصاصهم، ولا يمكنهم التأثير فيها، وفي النهاية تفضي إلى القطيعة. أصبحت اجتماعاتنا - في كثير منها - صورة حديثة لمقاهي بيروت في الستينيات الميلادية كما يرويها أبطالها الذين لم يقدموا للأمة غير تصفيق لهذا أو ذاك؛ فاختلفوا وتنافروا بينهم، وبقي هذا وذاك، وتخلفت الأمة. ما يجري حاليًا هو تكرار للمشهد، ولكن بصورة حديثة تدعمها التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي؟ في لقاءاتنا الاجتماعية - نحن مجتمع العرب - وعلى منصات التواصل الاجتماعي، أصبح البعض منا طبيبًا وسياسيًّا واقتصاديًّا وفقيهًا ومهندسًا ومحاميًا في الوقت ذاته؛ يفتي في كل فن وعلم، وفي كل شاردة وواردة، ويستميت في الدفاع عن رأيه!! في كثير من الحالات عندما يتحدث البعض، ويُصغي إليه الآخر، تظن أن الآخر مُصغ بإمعان بغرض الاستفادة، ولكنه في الواقع مصغٍ بهدف إعداد رد يدحض رأي زميله.
لم تعد القضية إضاعة للوقت وضياع فرصة الترفيه والمتعة فقط، بل أصبحت سببًا في القطيعة والتنافر الاجتماعي.
مع مرور الوقت تعلمت كيف أخرج سالمًا من الخوض في معارك النقاشات الطائلة. كل ما أفعله هو تجنب الخوض في معارك النقاشات. وإن كان ولا بد، واتضح أن الآخر يرغب في دحض رأيي، أبادر بالتسليم برأيه وإن كان على خطأ (من وجهة نظري) وتركه يتمتع بالانتصار، ولكن مع فوات الاستفادة وكسب المعرفة. وفي غالب الأحيان أحاول الصمت أو الانتقال إلى موضوع آخر.
يقول الشافعي -رحمه الله-: «قولنا صحيح يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصحة، ومن جاء بأحسن مما عندنا أخذنا به». اللهم اهدنا إلى سواء السبيل.