عبدالوهاب الفايز
تملك المسكن في العشرين عامًا الماضية أصبح تحدياً رئيساً للكثير من المواطنين، والجانب الأصعب المزعج هو تحول هذه الحاجة إلى مصدر استنزاف للموارد المالية للأفراد، وأثرت على مستويات الادخار، وبقيت مصدراً للمعاناة النفسية والاجتماعية للجيل الشاب المقبل على الحياة، فالإغراق في الديون وملاحقة تبعاتها عادة يستمر لأكثر من خمسة عشر عاماً، وكان هذا مصدر التعاسة الأبرز للأسرة الصغيرة المتشكلة حديثاً.
السنوات الأولى من الحياة الزوجية هي مرتكز استقرار الأسرة، وحينما تحفها السعادة.. عندئذ تثري مستودع الذكريات الجميلة، إلا أن التبعات والالتزامات المترتبة على تملك المسكن لم تسمح للكثيرين من بناء ذكريات حياة سعيدة لأسرة يحفها الاستقرار النفسي والمالي.
تملك المسكن مشكلة نحن خلقناها وأوجدنا عوامل استدامتها، رغم أن الحلول والإمكانات متاحة، فلدينا الأراضي الشاسعة، وكانت المليارات المهاجرة سنوياً تبحث عن فرص الاستثمار حولنا وبعيدًا عنا، وتسهم في حل مشكلات الآخرين في السكن، وتوفر (التمويل الرخيص) لأسواق المال العالمية.. رغم هذه الإمكانات ظللنا نتقبل التعايش مع مشكلة السكن!
الذي كنا نرجوه ونتطلع إليه هو مواجهة هذه الإشكالية بما تستحقه من اهتمام، والحمد لله أن هذا الاهتمام يتحقق الآن. حديث سمو ولي العهد الأخير لـ(واس) تطرق إلى موضوعات حيوية منها الإسكان. كان سموه صريحًا وإيجابيًا عندما وصف الوضع بشكل دقيق، وذكر الأسباب التي جعلت السكان مشكلة للمواطن السعودي. يقول سموه: (تطرقت رؤية 2030 إلى كافة القطاعات في الاقتصاد، لكنني أود أن أضرب مثالاً بقطاع الإسكان. لعقود طويلة واجه قطاع الإسكان في المملكة تحديات، سببها الأساسي غياب التخطيط وضعف حوكمة العمل الحكومي، حيث عملت الحكومة بآليات تناسب ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولم تتم إعادة هيكلة الحكومة وإعادة هيكلة البيروقراطية الحكومية منذ ذلك الوقت، مما صعّب من تحقيق أي شيء رغم توفر الموارد والإمكانات).
وذكر سموه أن (هذه التحديات تراكمت حتى أصبح تملك المسكن أحد أبرز المشكلات الاجتماعية، وأحد الهواجس الرئيسة للمواطن خلال العقدين الماضيين. وعند البدء في إعداد برنامج شامل لإصلاح الاقتصاد، التزمنا بوضوح في رؤية 2030 بأننا سنسعى لرفع نسبة تملك المواطنين للمسكن 5 في المائة خلال 4 سنوات، وكانت النسبة حينها 47 في المائة تقريباً، ما يعني الوصول إلى 52 في المائة في 2020، النسبة التي تعد جيدة دولياً. لكننا اليوم وصلنا إلى 60 في المائة، متجاوزين الهدف بـ8 في المائة).
وقال سموه: (ليس لدي أدنى شك -إن شاء الله- بأننا سنتجاوز مستهدف 2030 البالغ 62 في المائة في 2025 مما يعني أننا سنتجاوز المستهدف في عام 2030. وسنكون أحد أعلى دول العالم في نسبة تملك المساكن. ناهيك عن أنه خلال العشرين سنة الماضية كانت قائمة انتظار المواطن للمسكن تصل إلى 15 سنة تقريباً واليوم أصبح الاستحقاق بشكل فوري. هذا مثال لقطاع واحد كان أحد أكثر القضايا تعقيداً في المملكة، وتحول إلى قصة نجاح غير مسبوقة وبحلول مبتكرة وتكاليف أقل وخدمات أفضل).
وفعلاً سموه على حق، لدينا (الحلول المبتكرة) التي تنبع من واقعنا، والكفاءات السعودية هي التي مكنت الحكومة لتواصل تسجيل إنجازاتها النوعية في هذا الملف الصعب. وزارة الإسكان في السنوات الماضية طورت تجربتها في هذا المجال، وأدخلت آليات جديدة لملاحقة الاحتياجات الواسعة بالذات لأصحاب القدرات المالية المحدودة، وأطلقت مؤسسة الإسكان التنموي الأهلية لاستقطاب جهود المؤسسات والجمعيات الخيرية، وتحتها تسهم (منصة جود) بتبني العديد من المنتجات لتحريك الجهود الأهلية، والايجابي في ملامح التجربة الجديدة تحويل المستفيدين إلى شركاء في الحل.
أيضاً صندوق الاستثمارات العامة يتجه إلى المساهمة في مشاريع التطوير الإسكاني، ودخول الصندوق سيكون إيجابيا على المدى البعيد إذا توسع في إنشاء شركات التطوير والمقاولات المساهمة الكبرى الربحية وغير الربحية. الآن قطاع المقاولات يواجه مشكلاته المستدامة التي عرفناها، يعيش فترات رواج ثم يواجه التعثر السريع، والتنمية في بلادنا أكبر متضرر من هذه التقلبات. نحتاج كيانات وطنية كبرى تتأسس كشركة مساهمة مغلقة تجمع شركات المقاولات التي تواجه مصاعب. بهذا ننقذها ونستفيد من تجربة أصحابها الإدارية والتشغيلية.
نقول لشبابنا، بحول الله ستكون مشكلة الإسكان من الماضي بعد أن وضعها الملك سلمان وسمو ولي العهد في أولويات الحكومة، فـ(التحدي سوف يتحول إلى فرصة)، وهذه هي روح رؤية 2030.