الاجتماع الخامس عشر لمجموعة العشرين، هو قمة الرياض التي تجمع 19 دولة والاتحاد الأوروبي على مستوى القادة في الفترة 21-22 نوفمبر 2020.
الحدث تاريخي، فالرياض تستضيف اجتماع مجموعة العشرين الأقوى اقتصاداً في العالم لأول مرة.
وقد يسأل سائل ويقول ما دوري كسعودي وما يجب عليَّ فعله ودولتي - حفظها الله - تترأس اجتماعًا عالميًا مهمًا، وتُشارك الآن بشكل مباشر في بلورة الرؤى لرسم وتشكيل مستقبل العالم.
حالياً أعتقد الأهم هو الإدراك لبعض المفاهيم الأساسية، وأولها أننا أصبحنا في العالم كعائلة واحدة أكثر من كوننا متصلين فقط، وقد عَلَّمنا درس فيروس كورونا ذلك بشكل أكثر وضوحاً. فمن كان يُفَكر من الأمم أنهم في عالم متصل ولكن ليس بالضرورة عائلة واحدة فإن فيروس كورونا جعله يفكر بمفهوم العائلة بشكل أكبر، وأنه لا يمكن له العيش بمعزل عن العالم مهما كانت قدرته.
المفهوم الآخر يتعلق باستنتاج وتصور كيف تبدو بيئات العمل الجديدة، فالتقنية قد تجعل مدير منظمة في دولة وموظفيه في دول أخرى موزعين. وقد يتم تعيين شخص ثم يعمل إلى أن يتقاعد عن العمل ولم يواجه مديره وجهًا لوجه البت، حيث جميع الأعمال تمت في عالم افتراضي. ما سيُحدث الفرق مع الشخص هو مهاراته. وما سيُحدث الفرق مع المنظمة هي سرعة استجابتها للمتغيرات وطريقة إدارة رأس المال البشري.
المفهوم الثالث هو أننا أصبحنا في المملكة العربية السعودية جزءًا من حل مشكلات العالم بشكل أكبر ونُساهم بشكل فاعل بتشكيل مستقبله وتبلور مفاهيمه وطريقة عَيْشه المستقبلية. علينا كسعوديين أن نفخر بذلك ونحترم هذه المشاركة أيضاً. الاحترام يكون من خلال إدراك مفهوم واسع أسسه نبي الهدى صلى الله عليه وسلم فقال: «كلكم راعٍ وكل مسؤول عن رعيته». هذا الحديث بمفهومه الواسع يؤكد أن كُلَّ شخص هو جزء من منظومة. وفي إطار مشاركتنا في مجموعة دول العشرين لتشكيل مستقبل العالم، فإن كُلَّ شخص هو جزء من هذه الجهود الكبيرة لنمو ورخاء الإنسانية، سواء أدرك هذا المفهوم أم لا. نرجو أن نكون ممن أدركوا هذا المعنى للحديث فأصبح مشاركًا إيجابيًا حيث يكون. وأن يُنمي نفسه في أخلاقه ومهاراته وفي كل تفاصيله حتى كيفية ترك مكانه نظيفاً بعد رحلته البرية.
أما بخصوص بعض تفاصيل القمة، فنتناولها باختصار ونطرح بعض المفاهيم ذات العلاقة، ونبدأ بالمحور الأساسي للقمة.
المحور الأساسي للاجتماع
الخامس عشر
اختارت الرياض محورًا أساسيًا للاجتماع وهو: اغتنام فرص القرن الواحد والعشرين للجميع. بمعنى أن هناك فرصًا كبيرة تُخلق في هذا القرن يجب عدم تضييع أي منها بطريقة تضمن للجميع النمو والازدهار والوفرة.
هناك نقطتان يمكن الحديث عنهما في هذا المحور المُشجع حقيقةً:
أولاً: شمولية المحور:
شمولية المحور - اغتنام الفرص للجميع - جذابة وتعكس الروح السعودية والتوجه العالمي الجديد، الذي أصبح يؤمن أكثر بأن نجاح أمة معينة دون آخرين هو نجاح منقوص، وقد يكون هشًا ولا يؤدي للأمن. المفهوم الكامن في شمولية هذا المحور هو تَقَبُل مستويات نجاح متفاوته للأمم لكن يجب أن لا يكون الفرق شاسعًا حيث يُترك البعض بعيدًا في الأخير. الإيمان في كون فشل أمة هو فشل أيضاً في أداء أمم ناجحة هو مفهوم عظيم ويستحق التقدير، بغض النظر عن مدى الفاعلية لترجمته في الواقع. هو حتمًا خطوة إلى الأمام في طريقة النظر للنجاح على مستوى الدول. ولنا أن نتذكر المثل المشهور «علمني كيف اصطاد ولا تعطني سمكة».
ثانياً/ حيوية المحور
المحور حيوي جدًا كونه مبنيًا على أساس رغبة الاستفادة القصوى من فرص القرن. فالفرص بطبيعتها حيوية ديناميكية، لذا كل من يتصل بها سيكون حيويًا وديناميكيًا ومتجددًا. يضاف إلى ذلك القول إن حيوية هذا المحور ليست فقط في تشجيعه للإبداع واقتناص أي فرصة تلوح في الأفق ولكنهُ أيضاً يسهِّل عملية التواصل الإيجابية بين الدول على مستوى مؤسسات عامة وخاصة، فالفرص كما هو معلوم تقع عادةً في البيئة المحيطة الخارجية لشخص أو لمنظمة معينة.
الإطار الأساسي لعمل
مجموعة العشرين
تتكون مجموعة العشرون من تسع عشرة دولة هي:
1. المملكة العربية السعودية
2. أستراليا
3. البرازيل
4. كندا
5. الصين
6. الأرجنتين
7. ألمانيا
8. فرنسا
9. الهند
10. إندنوسيا
11. إيطاليا
12. اليابان
13. المكسيك
14. روسيا
15. إفريقيا الجنوبية
16. كوريا الجنوبية
17. تركيا
18. المملكة المتحدة
19. الولايات المتحدة الأمريكية
بالرغم من كون الاتحاد الأوروبي عضوًا كاملاً في مجموعة العشرين - وهو ما يضاف للقائمة لتُكمل الرقم عشرين - إلا أن دول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا تذكر كدول في المجموعة كونها عضوًا دائمًا بغض النظر عن عضويتها في الاتحاد الأوربي.
في اجتماعات مجموعة العشرين دائماً ما يتم تناول محاور النقاش في إطار اقتصادي فيه تتبلور الأفكار وتُوضع الحلول. بمعنى أن التعاون من منظور دول مجموعة العشرين لوضع الحلول مقابل التحديات والاستفادة من الفرص يتم نقاشه بشكل لا ينفصل عن وجهة النظر الاقتصادية. بما في ذلك التوجه لجعل الخلافات السياسة ذات تأثير محدود أو معدوم على الحركة الاقتصادية.
مُعتقد مهم للمملكة
العربية السعودية
تؤمن المملكة إيماناً راسخاً بأن تصميم الحلول المفيدة ومواجهة التحديات وخلق الفرص للجميع دون استثناء يتم من خلال التعاون الدولي الفعال. وأنه لا يمكن لأُمة أن تواجه التحديات بمفردها مهما كانت قوتها. هذا المُعتقد إيجابي جدًا لدولة تتولى رئاسة هذا الاجتماع المهم في ظل ضروف جائحة كورونا وشمولية محور الاجتماع كما تقدم ذكره.
نقاط قوة تعطي أرضية جيدة للمملكة العربية السعودية
موقع المملكة العربية السعودية الإستراتيجي في نقطة التقاء ثلاث قارات مهمة. وفي وسط منطقة فيها أسواق ناشئة وطلب ينمو. كما أن المملكة تملك قوة مالية كبيرة. ويملك شعبها الفئة العمرية الأصغر من بين شعوب دول مجموعة العشرين. وهذا الشعب يعيش الآن مرحلة تحول اقتصادية واجتماعية كبيرة. فيها يتم تمكين الشباب والمرأة. وفيها أيضاً تتبنى الحكومة مفاهيم الفاعلية والتنافسية وتعمل على تنويع اقتصادها ومصادر دخلها. وتدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتُشَجِّع على عمل شراكات ناجحة بين القطاع العام والخاص. هذا يعني أن صدى أعمال مجموعة العشرين يجد وقعه هنا في المملكة العربية السعودية. وبالتالي فإن أعمال قمة دول مجموعة العشرين بالنسبة لنا كسعوديين تتجاوز مجرد كونها التزام عضو بمهامة في مجموعة، بل هي جزء من أنشطتنا في الحياة اليومية.
أهداف عامة للاجتماع الخامس عشر
أولاً/ مواجهة فيروس كورونا
يتم ذلك من خلال الجهود العلاجية والوقائية التي تساعد في التغلب على فيروس كورونا المستجد. وتخفيف الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن انتشاره في العالم.
ثانياً/ تمكين الإنسان
وذلك من خلال إنشاء بيئات تنظيمية وأدوات أخرى داعمة يتم من خلالها إطلاق العنان للفرص لتكون في متناول أي شخص، وتحديدًا الشباب والمرأة بحيث يكونوا قادرين على العيش والعمل والازدهار.
ثالثاً/ حماية كوكب الأرض
يتم ذلك من خلال تبني جهود جماعية لحماية المصادر الطبيعية في الأرض والعمل على رفع وإزالة ما لحق بالأرض من أضرار نتيجة لممارسات الإنسان. وتوفير طاقة صديقة للبيئة ومياة نظيفة وبشكل فيه استدامة.
رابعاً/ العمل على إيجاد نجاحات وإنجازات غير مسبوقة في مجالات تساعد في ازدهار ورخاء الإنسان، يتم ذلك من خلال تبني إستراتيجية شجاعة وطويلة الأمد فيها يتم تبني الابتكار والاستفادة منه بشكل مشترك. وعلى وجه التحديد، أن تسهم التقنيات الحديثة في الحياة اليومية بشكل يؤدي إلى ازدهار ورخاء الإنسان من خلال استغلالها في البنية التحتية للمدن والمنظمات. والاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتعزيز الأمن السيبراني.
الخاتمة
لهذه الأهداف العامة تفاصيل يمكن للقارئ الاطلاع عليها في موقع دول مجموعة العشرين لهذه الدورة.
ولكن قبل الختام، أذكر ما يتعلق بالمنظومات الصحية كوني أحد أفرادها، فالاجتماع الخامس عشر الجاري قد أولى اهتماماً في هذا القطاع حتى قبل ظهور بوادر جائحة كورونا. فوضع النقاط التي تتعلق بالرعاية الصحية تحت الهدف العام الثاني: تمكين الإنسان. وكان التركيز على مفاهيم شمولية التغطية الصحية. وأن يتم تصميم الخدمات بحيث تكون الرعاية الصحية متوفرة بمنهجية الإرتكاز على المريض وتكون ذات خدمات تعتمد على القيمة، أو بمعنى آخر تهتم بالمخرجات بشكل أكبر. وأن تكون المنشآت الصحية آمنة وذات كفاءة عالية. وتتبنى حلول الصحة الرقمية.
** **
د. فيصل بن علي الشَّاعل الخالدي - الجوف - المملكة العربية السعودية