مشاعل القاضي
يُقال بأن التوقعات قاتلة السعادة؛ تبدو هذه الكلمات مستهلكة قليلاً، نسمعها غالباً عندما نتعرض لخيبة أمل أياً كان نوعها فيهمّ من حولنا بالنصح إلى ضرورة خفض سقف توقعاتنا تجاه الأشياء والأشخاص. فهل هذا حقاً ما علينا القيام به لنتجنب خيبات الأمل؟
التوقعات أرض خصبة للاستياء والشعور بالإحباط، ونحن في الحقيقة نخزن في أذهاننا كتلة من التوقعات؛ فشعور الخيبة الذي ينتابنا عندما لا تتم معاملتنا بالطريقة التي ننتظرها من أصدقائنا أو الأشخاص المقربّين تُشعرنا بأننا قد وهبنا شخصاً مكانة لا يستحقها، فقط لأنه لم يتصرف تجاهنا بطريقة «توقعناها» إزاء معاملتنا اللطيفة واهتمامنا به.
من البديهي أن نتعرض لخيبات الأمل عندما نعتمد على مدى فطنة الآخرين في قراءة عقولنا وما نحمله بداخلنا، فأن يكون في حياتنا شخص ذو حدس عالٍ يمكّنه من قراءة مشاعرنا لا يعني بالضرورة أن الآخرين ملزمون بهذا أيضا، أو على أقل تقدير قد لا يملكون المهارة ذاتها.
لقد اتضّح بأن «التوقعات» أحد المشاكل العميقة التي لا يلقي لها الإنسان بالاً في علاقاته وتعامله مع الآخرين، بينما في الواقع هي جهاز القياس الذي نحمله معنا أينما ذهبنا. بطبيعة الحال لن نستطيع التخلي عن توقعاتنا بشكل كامل لأن لكل منّا تطلعاته، وبالتالي إن كان لا بد من وجود التوقعات؛ فمن المهم أن نتعامل معها بموضوعية أكبر وأن نعمل على إدارة توقعاتنا في العلاقات العائلية، العاطفية، علاقات العمل والصداقات، وأن لا نحملها ما لا تحتمل. ولنتوقف عن الاتكّاء على الغير في حال وقوعنا، فمهما بلغ احتياجنا إلى العائلة والأصدقاء في أوقاتنا الصعبة لا يعني بالضرورة التوقّع بأنهم هناك في كل مرة نسقط فيها.
لأننا لا نعيش في المدينة الفاضلة ولا يعد أي شيء في عالمنا مثالياً، فلمَ نتوقع من الجميع أن يعاملنا بالطريقة ذاتها التي نعاملهم بها سيكون لزاماً علينا أن نتقبّل بأن الآخرين مختلفين في ردود أفعالهم، طريقة تجاوبهم مع الأحداث ووزنهم للأمور. الأولى والأصح أن نقوم بتغيير نظرتنا إلى العلاقات والأشخاص عوضاً عن إسقاط اللوم عليهم؛ ذلك أنّ تصرفاتهم تعنيهم وحدهم وسلوكهم أمر خارج عن سيطرتنا.
كما أنه من المهم جداً أن نعي بأن معايير صحة الأمور من خطأها متباينة لدى الأشخاص؛ فالبيئة، التربية والمعتقدات التي نشأ عليها الفرد هي عوامل مؤثرة تحدد طريقة استجابته للأمور، ومن غير المنطقي أن نتوقع من الآخرين فعل الشيء الصحيح بناءً على معاييرنا الخاصة.
إن قناعاتنا ونظرتنا للحياة وللعلاقات غير ثابتة، حالها كحال معظم الأمور المتغيّرة في حياتنا؛ تتأثر في كل مرة نخرج منها منتصرين من معركة أو خاسرين فيها لننضج في كلتا الحالتين، وتغيّرنا بناءً على ذلك لا يجب أن يعرضنا للأحكام أو الاستنكار. لذلك فلنعيد النظر إلى يقيننا بأن الأشخاص من حولنا غير متغيرين وأنّ أحداً ما قد يكون على خطأ فقط لأنه لم يلبي رغباتنا أو يتوافق مع معاييرنا.
أما عن أخطر أنواع التوقعات، فهي تلك التي تأكل من أعمارنا دون أن نشعر؛ وهي إيماننا بأن السعادة لن تتحقق ما لم نصل إلى مكانٍ نرغب به بشدة، وأن تتعلق سعادتنا بوقوع أحداث معينة أو وجود أشخاص معينين. هذا ما يسمى بالسعادة المشروطة والمرتبطة ببناء توقعاتنا على الأشياء، وقد قيل قديماً بأن السعادة حالة أكثر من كونها غاية، فإذا ما تعاملنا مع الأمر من هذا المنطلق ستتحقق سعادتنا الداخلية بلا شروط.