بكري عساس
في سنةِ ألفٍ وأربعِمئةٍ واثنتَيْنِ وثلاثينَ، وفي رحابِ المدينةِ النبويةِ المباركةِ ألقي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- محاضرةً قيّمةً عن الأُسُسِ التاريخيةِ للمملكةِ العربيةِ السعوديةِ، وفي جوابٍ عن سؤالٍ حول تجاوزاتِ الإعلامِ وتعدِّياتِهِ على هذه الأسسِ قال -يحفظه الله- كلمةً تُكتبُ بماءِ الذهبِ: «إذا كان الذي ينقُدُ على حقٍّ فأنا أشكرُهُ، وإذا جانبَهُ الصوابُ فقد أعطانيَ الفرصةَ لأردَّ عليه، فلنَتَّبِعْ هذا الأسلوبَ».
هذهِ الكلمةُ الحكيمةُ تَكْشِفُ بوضوحٍ عن (عقليَّةِ المثقَّفِ المستَنِيرِ) التي تَكْمُنُ خلفَ (شَخصيةِ المسْؤولِ الكبيرِ). إنَّهُ المثقَّفُ الذي يُؤمِنُ بدورِ الكلمةِ، ويَعْرِفُ قيمتَها، ويُدْرِكُ آليَّاتِها في التّداولِ والتَّمْحيصِ، ويتَعَامَلُ مَعها بما يَلِيقُ بها.
لذلك لم يكنْ عَجَباً علي خادِمَ الحرمينِ الشريفينِ أَنْ يكونَ أُنموذجاً للحاكِمِ المثقَّفِ، الذي يكْتُبُ المقالاتِ، ويُلقي المحاضراتِ، ويتتبَّعُ الإصداراتِ، ويُعلِّقُ على ما يُنشرُ هنا، أو يُذاعُ هناكَ، ومَنْ تتبَّعَ (حكاياتِ) المثقفينَ والكتابِ معه- يحفظه الله- رأى عجباً! فهذا يذكرُ أنَّه استدركه على محاضرتِهِ وصحَّحْ أخطاءَهُ التاريخية! وذلك يُحَدِّثُ أنه اتصل به ليناقشهُ في مقالٍ! وثالثٌ يتعجَّبُ مِنْ تتبُّعه لما يُكتبُ ويُنشر! وكثُرَ ذلك حتّى وُصِفْ -حفظه الله-: بصديق المثقفينَ وشريك الكتّاب.
إنَّ شخصيةً بحَجْمِ سيدي خادمِ الحرمينِ الشريفينِ - أيَّدَهُ الله- جَمَعتِ الحَزْمَ إلى الحِلْمِ، والتجربةَ إلى العِلْمِ، والممارسةَ إلى المدارسةِ، والمباسطةَ إلى الهَيْبَةِ، وسَيْفَ الحاكمِ إلى قلمِ العالمِ، وحُسْنَ التدبيرِ إلى سلامةِ التقديرِ، إنَّ شخصيةً بهذا التكوينِ لابُدَّ أنْ تكونَ لها في تاريخِ الإنسانيةِ بَصْمَةٌ بل بَصَماتٌ يَحفظُها الزمانُ ويرويها التاريخُ. أقول هذا ونحن نتفيأ في هذه الأيام الذكري السادسة لبيعته -حفظه الله- وقد نعمت البلاد بعهد ميمون ومرحلة سيسجلها التاريخ بمداد الفخر والعزة والمجد، حفظ الله بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية وحفظ قيادتها وشعبها وأدام مناسبات العزة والكرامة.