محمد سليمان العنقري
لا تنمية بدون انفتاح هكذا قال الصينيون في اجتماع دول شرق آسيا والمحيط الهادي، الذي ولد فيه أكبر اتفاق تجاري عالمي ضم خمس عشرة دولة من بينها مجموعة آسيان عشر دول مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، فولادة هذه المجموعة الجديدة تنبه لمستقبل جديد في تنافس القطبين الأكبر بالعالم اميركا والصين على بناء الشراكات والتحالفات التي ستحسم الصراع على من سيتسيد الاقتصاد العالمي، فأميركا تدافع عن مركزها الاول بينما الصين تزاحمها عليه، ويبدو اننا سنشهد فصولاً جديدة في هذا التنافس الكبير الذي سيبنى على أساس المنافسة على التحالفات وكسب المزيد من الشركاء بين اكبر مؤثرين في التجارة الدولية.
فقد يرى البعض ان اميركا قد بدات تتجه اكثر لتنغلق على نفسها بعد انسحاب الرئيس ترمب من اتفاقية التجارة الحرة في المحيط الهادي التي أسسها سلفه الرئيس اوباما فالرئيس ترمب اطلق شعار اميركا اولاً، واعتبر ان مثل هذه الاتفاقيات تؤدي لانتقال صناعات لتلك الدول وتقلص بالانتاج داخل اميركا وان الفائدة للاخرين، لكن ذلك يعد ايضا خروجا عمليا من اسواق مهمة تعد هي قائدة النمو بالاقتصاد العالمي بينما تنفذ الصين خططها للتوسع الخارجي بمثل هذه الاتفاقيات فهذه الدول التي وقعت اكبر اتفاق تجاري عالمي يبلغ عدد سكانها أكثر من 2 مليار انسان، ويمثل ناتجها الاجمالي حوالي 35 بالمائة من الناتج الاجمالي العالمي بمبلغ يصل الى 26 تريليون دولار اميركي، فالصين التي يتوقع ان تضيف لناتجها الاجمالي من هذه الاتفاقية 85 مليار دولار، تسعى للتحرر من ضغط اميركا واوروبا، باعتبارهما اكبر شركائها التجاريين مما يجعلها تحت الضغط من اي خلافات تجارية قد تنشأ بينهم، مثل ما حدث مع اميركا قبل اكثر من عامين، ولذلك هي تعمل وفق خطة رسمتها لفتح خطوط تجارة دولية جديدة وباسواق واعدة، لكن اميركا حتى التاريخ الحالي لم تقم بمبادرات ذات اثر مشابه، مما يطرح الكثير من التساؤلات حول نواياها وخططها المستقبلية.
ففي عصرنا الحالي الذي اعيد فيه تعريف المصالح وفق معطيات اوزان الدول بالاقتصاد العالمي وبروز الصين تحديداً كلاعب رئيس، فيه اصبحت المنافسة شرسة ودخلت مرحلة سباق على تعزيز التحالفات القائمة، وبناء أخرى، فإذا تراخت اي دولة منهما في المحافظة على تحالفاتها او خسرت احدها فإن الطرف الآخر سيكون هو المستفيد، ولذلك فإن مقارنة كيف تتحرك الدولتان بهذا الملف فإن النجاح يسجل للصين، ويرى بعض المحللين الغربيين ان المواقف والتوجهات التي تقوم بها الادارات الاميريكية المتعاقبة منذ بداية القرن الحالي تعد مليئة بالاخطاء، اذ يرون انها تخسر وزنها وثقلها الدولي لصالح الصين بارتكاب اخطاء تهز الثقة مع حلفائها التقليديين، واكمل الرئيس ترمب هذا التصور من خلال ما فعله مع كندا والاتحاد الاوروبي والمكسيك وغيرهم من خلال سياسة فرض الرسوم على صادرات تلك الدول للسوق الاميريكي، اضافة لسياسات اميركا بالشرق الاوسط التي تعد متباينة على عكس ما كان معروفاً عنها حيث ترى ان جنوب شرق اسيا بات اهم لها لكنها بالمقابل باتت تخسر في المنطقتين الشرق الاوسط وشرق اسيا مع تفوق واضح للصين التي ستسفيد كثيرا من هذا الانفتاح بعد ان اعتمدت خطتها للعام 2035 التي اسمتها بالتداول المزدوج، اي تعزيز دور المستهلك الصيني باقتصادها والاستفادة من العولمة اي التجارة الدولية التي تعد هي اكبر مؤثر فيها بحوالي 2،3 تريليون دولار من اصل 21 تريليون دولار حجم التجارة الدولية.
ان تخسر حليفاً يعني ان الطرف الاخر سيستفيد باستقطابه ليكون شريكاً معه، وإن لم تراجع اميركا سياستها بتعزيز علاقاتها مع حلفائها وكسب حلفاء جدد فإن الصين ستكون هي الوجهة المفضلة لأغلب دول العالم، وهذا ما سيعجلها تقود الاقتصاد العالمي على حساب اميركا، فالمصالح والوضوح في الشراكات والتحالفات ستغير وجه العالم في مرحلة ما بعد جائحة كورونا بوتيرة متسارعة اكبر بكثير مما حدث بالعقود السابقة.