د. محمد عبدالله الخازم
يزداد الاهتمام بالتصنيفات العالمية للجامعات، لأغراض تعزيز الثقة والترويج والدعاية للمؤسسة التعليمية. التصنيف يقارن بين مؤسسات مختلفة ليضع لها ترتيباً، ويكون ذلك عبر وضع نقاط لكل معيار بشكل يجعله يهمل قوة جامعة في جانب معين وتضخيمه في جانب آخر والجامعات لا تتساوى هنا، بالذات في التصنيف العالمي الذي يحاول إيجاد مسطرة تطبق على الكل دون مراعاة للأنظمة المرجعية لها. تتقدم بعض المؤسسات في التصنيفات وهي لا تستحق، لأنها ببساطة تبحث عن التصنيف الذي يعطي وزناً أفضل لبعض مكوناتها، وتركز على المكونات أو المعايير التي تضخمها رقمياً لتحتل مركزاً متقدماً. لذا تتسوق الجامعات في سوق التصنيفات لغرض البحث عن رقم أفضل في أحدها تتباهى به. التصنيفات مفيدة لإقناع أولياء الأمور والمسؤولين بأننا نحقق رقماً متقدماً، لأنه لا يعنيهم التفاصيل المتعلقة بكفاءة التشغيل، المخرجات، الحرية الفكرية، القيم.. إلخ.
التصنيفات العالمية؛ شنغهاي والتايمز وكيو اس وويبرومتركس ويو أس نيوز وغيرها؛ تتبناها جهات تجارية كالمؤسسات الإعلامية أو مؤسسات فكر ربحية أو غير ربحية وليس جهات حكومية رسمية أو جهات اعتماد أكاديمي. دوافعها مادية وأحياناً لا تستوعب تعقيدات المؤسسة الأكاديمية وعملها فتبنى على وسائل قياس/ مصفوفات رقمية لا تغوص في المضمون من الناحية النوعية. على سبيل المثال، سيخبرك تصنيف ما بأن جامعة أفضل من أخرى في نسبة الأساتذة للطلاب، لكنه لن يخبرك بأن عدد خمسة طلاب لكل أستاذ يعد هدراً في الكفاءة التشغيلية، بل يعده رقماً متقدماً؛ سيخبرك بأن جامعة أفضل من أخرى في نوعية توظيف الخريجين لكنه لن يخبرك بأنها الوحيدة في ذلك البلد فطبيعي أن يكون مسؤولو البلد ووزراؤه منها؛ سيخبرك بتنوع طلابها الدوليين لكنه لن يخبرك أن طلابها الأجانب في معهد اللغة فقط وليس بقية الكليات.
في الجانب الآخر، الاعتماد الأكاديمي يبنى على معايير دقيقة تراجعها لجان ومرجعيات علمية وهو الأهم علمياً.
هيئة تقويم التعليم مهمتها الاعتماد الأكاديمي، لكن تبدو التصنيفات كذلك مغرية لها في ظل عدم وجود مراكز فكر مستقلة أو مؤسسات مستقلة تتولى التصنيف. قيام جهة واحدة بمهمتي الاعتماد والتصنيف يطرح أسئلة: هل هناك تعارض بين المهمتين؟ هل سيكون التصنيف كما هو الاعتماد مقابل رسوم مادية؟ كمؤسسة أكاديمية؛ هل سأجبر على المشاركة ودفع الرسوم؟ هل لي الخيار في عدم دخول التصنيف؟ هل يجوز للهيئة استخدام معلوماتي للمقارنة مع الغير دون إذني؟ هل يحق لي التشكيك في نزاهة الهيئة عندما لا أحصد مركزاً متقدماً؟ هل سيتم عقابي في الاعتماد الأكاديمي أو من جهات أخرى إن لم أشارك في التصنيف؟ هل الذهاب للتصنيف يعني ضمناً عدم قدرة الاعتماد الأكاديمي على تحسين جودة التعليم العالي السعودي وبالتالي نحتاج آلية تحفيز أخرى؟
الأسئلة هنا، تستحث النقاش ومنبعها الخشية من تشتيت جهود هيئة تقويم التعليم. الهيئة معنية بالاعتماد والتقويم وليس التصنيف والترتيب للمؤسسات التعليمية، الهادف للترويج التجاري والدعائي، العبرة في عملها ليس الدخل المادي أو كثرة الخدمات وإنما النوع. شجعوا المؤسسات المستقلة - بالذات غير الربحية - للقيام بمهام التصنيف.