الهادي التليلي
قمة مجموعة العشرين التي تنظّمها الرياض في أحلى حلة وهي تقدم نفسها والمملكة من أمامها كعاصمة العالم كيف لا وهي تتصدر أحداثه باستضافة قادة مجموعة العشرين بشكل حداثي يتحدى سطوة كورونا ويجمع كل زعماء المعمورة ونعني قادة مجموعة العشرين وهم في أماكنهم بفضل ما أصبحت تتوافر عليه من تطور سيبراني وعقول وطنية نالت ثقة القيادة الرشيدة فأبدعت وهي تلهم العالم بقصص نجاح تسجل في الذاكرة والتاريخ ذاكرة البشرية من ناحية والذاكرة المخصوصة بمسار دورات قمة مجموعة العشرين من ناحية أخرى، كيف لا والسعودية محافظة على حضورها فيها منذ الدورة التأسيسية بواشنطن سنة 2008 حتى تنظيمها لها نوفمبر 2020م.
هذه القمة التي نستعرض أهم محطاتها وهي تمثِّل ثلثي التجارة في العالم و90 بالمائة من الناتج العالمي الخام، ففي الدورة التأسيسية كانت واشنطن الشاهدة على ميلاد هذا المنتدى من خلال تنظيمها لقمته الأولى في نوفمبر 2008 ، وكان الرئيس المضيف جورج دبليو بوش، تلتها لندن في الدورة الثانية في أبريل 2009 ، لتعيد بنترسبورغ الأمريكية القمة في دورتها الثالثة للولايات المتحدة في 2009 ، أي في نهاية نفس العام، وغير بعيد عنها تورنتو الكندية قامت بتنظيم الدورة الرابعة في يونيو 2010 ، وفي نفس المعسكر الاقتصادي نظمت سيول الكورية الجنوبية الدورة الخامسة في يونيو 2012 ، كما كان لمدينة كان الفرنسية شرف احتضان الدورة السادسة في سبتمبر 2013 ، وبعدها لوس كابوس المكسيكية التي احتضنت الدورة السابعة في نوفمبر 2014 ، لتحضر روسيا تاريخ تنظيم هذا المنتدى من خلال مدينتها سان بترسبورغ في الدورة الثامنة في نوفمبر 2015 ، ثم مدينة بريزيان الأسترالية في الدورة التاسعة 2016 ، ولم يتخلف العملاق الصيني عن هذا المشهد، حيث استضافت مدينته هانغتشو الدورة 12 من سنة 2016 ، فهامبورغ الألمانية في الدورة 12 من سنة 2017 ، وبيونس أيرس الأرجنتينية في الدورة 13 في سنة 2018 ، وطوكيو اليابانية احتضنت الدورة الماضية لسنة 2019 والتي سلمت المشعل للرياض السعودية برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز يومي 20 و21 نوفمبر بعد ماراثون كامل من الفعاليات والمؤتمرات الوزارية وأعمال المجموعات تحت شعار «اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع».
السعودية التي ألهمت العالم وشرفت العرب والمسلمين بحسن قيادتها لأعمال القمة على الرغم من جائحة كورونا التي شكلت تحدياً صعباً استطاعت أن تحوله إلى عامل نجاح وألق بفضل قيادتها وعقولها لأن المثابرة والتخطيط المستلهمة من رؤيتها جعلت المملكة قلعة تنموية ومن الكيانات الكونية ذات الفعل والصدى في مختلف المجالات، وتحضرنا هنا نجاحات دافوس الصحراء والقمة العالمية للذكاء الاصطناعي وغيرها والتي مهدت لألق المحفل العالمي والذي يشارك فيه قادة الدول العشرين، كما أن الخبرات السعودية التي استطاعت أن تحول الأعمال الوزارية القطاعية وأعمال اللجان إلى حراك تنموي شهد بنجاحاته القاصي والداني.
والسعودية التي جمعت كل زعماء العالم دون الحاجة لركوب الطائرة من خلال العقد الافتراضي للدورة الحالية قدَّمت الدرس تلو الدرس في مجال إدارتها الإلكترونية للحدث والذي وفر الكثير من الوقت وجود في المخرجات التي حفزت الجميع على التفكير العميق في عدالة الاستفادة من فرص القرن الحادي والعشرين وهو الرهان الأساسي الذي تطرحه القمة على نفسها ككيان أنشئ سنة 1999 على هامش قمة مجموعة الثمانية إثر اجتماعات وزراء المالية وبعد نقاشات حول المسألة التنموية وهو جوهر ومحور هذه الدورة والذي بقي سؤالاً لم تستطع كل الدورات السابقة الإجابة عنه منذ تركيزها سنة 2008 على الرغم من أن الدول المشكلة للمجموعة هي مجموعة الثمانية أي الأكثر تأثيراً وهي الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وروسيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا مع 11 دولة أصبحت من القوى الفاعلة عالمياً على المستوى الاقتصادي وهي السعودية والصين وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند والمكسيك والأرجنتين وإندونيسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل. ولإضفاء المصداقية والثقل الأممي تم تشريك كيانات دولية مثل مؤسسة بريتون وودز وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي كضيوف دائمين للمجموعة إضافة إلى تمثيل الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية.
هذا وتعتبر رئاسة السعودية للقمة من أميز ما جاد به تاريخ تنظيم دوراتها لما اعترضتها من تحديات استطاعت تجاوزها في ظرف يصعب أن تركز فيه دولة على إنجاح حضورها في كيان دولي بهذه الضخامة والكونية وخطر الموجتين الأولى والثانية لفيروس كورونا التاجي يحاصر المعمورة.
السعودية التي اختتمت القمة عدد 15في تاريخ المجموعة والأولى في تاريخها وفي تاريخ العالم العربي فيها تستعد لانعقاد القمة التي ستكون تحت عنوان اغتنام فرص القرن 21 للجميع ومحاورها تمكين الإنسان أولاً والحفاظ على الكوكب ثانياً وتشكيل آفاق جديدة ثالثاً هذا وقد قدمت كبرنامج إعدادية 700 اجتماع منها الوزارية وما يشمل مسؤولين رسميين وممثلي مجموعات التواصل وعلى ذكر مجموعات التواصل والتي هي لجان تفكير فرعية تؤسس نظرياً وتعمق فكرياً الحدث قصد بناء بدائل اقتصادية وتنموية واجتماعية للبشرية وهي مجموعة الفكر ومجموعة الأعمال وهي مجموعة الشباب ومجموعة العمال, ومجموعة المجتمع المدني ومجموعة المرأة ومجموعة العلوم ومجموعة المجتمع الحضري.
فعاليات هذه المجموعات شهدت نجاحات كبيرة تحسب للجان والقيادة الحكيمة التي كانت متابعة لكل فقرة منها ومتوجة لكل مجموعة بكلمة سامية من خادم الحرمين الشريفين قدمت على لسان ممثّل المملكة المكلّف في كل اختصاص مما أعطى للحدث إشعاعاً أنسى العالم كل المحطات السابقة للقمة والتي آخرها طوكيو اليابانية وصعب المهمة أمام باري الإيطالية وحتى نيودلهي الهندية.
ولأن القمم تقيم بمخرجاتها إضافة على قدرتها التنظيمية في إدارة شأن القمة بكل تفاصيلها فإن مخرجات قمة الرياض رقم قياسي يصعب تحقيقه وهو ما جعل رئاسة السعودية لهذه المجموعة الأكثر حضوراً على مستوى المخرجات وعلى مستوى الإسهام الدولي والوفاء لانتظارات الشعوب من قمة تضم الأقطاب المؤثّرة في الاقتصاد العالمي وخاصة خلال جائحة كورونا، حيث كان الاجتماع التاريخي الافتراضي للمجموعة في 26 مارس 2020 إضافة نوعية في تاريخ المجموعة من خلال حزمة إجراءات لمجابهة الجائحة أهمها إقرار ما قيمته 11 تريليون دولار لإضفاء التوازن الاقتصادي الكوني وتلافي آثار جائحة كورونا منها مساعدات مالية مهمة للمنظمة العالمية للصحة ومساعدة الدول الأشد فقراً على تجاوز مخلفات الجائحة كما أنها على سبيل الذكر لا الحصر أقرت مساعدات حتى قبل اختتام القمة وتفاعلاً مع آثار الجائحة تقدَّر بقيمة 21 مليار دولار لجهود البحث والتطوير للقاحات كورونا من خلال دعم جهود وزارة الصحة العالمية مع التعهد بسد فجوة مالية لمكافحة الوباء تقدَّر بـ8 مليارات دولار، علماً بأن السعودية البلد المترئس للمجموعة خلال هذه الدورة قدَّمت 500 مليون دولار لدعم جهود مكافحة كورونا منها 150 مليون دولار لدعم تحالف التأهب الوبائي و150 مليون دولار للتحالف العالمي لمكافحة كورونا و200 مليون دولار للمنظمات والبرامج الإقليمية ذات الشأن المتصل بمقاومة كورونا.
قمة مجموعة العشرين في دورتها 15 قدمت للعالم السعودية كفاعل مركزي في الشأن العالمي، وأكدت للجميع أن المملكة أصبحت فعلياً قوة اقتصادية وسياسية مؤثِّرة ولها كلمتها المسموعة ومساهماتها المرموقة في عدالة توزيع فرص التنمية المتاحة في القرن الواحد والعشرين بشكل ملهم ومبهر.