عبدالله بن خالد الشمردل
يقول دوجيسو: مهنة المحاماة تجعل المرء نبيلاً بغير ولادة، غنياً بلا مال، رفيعاً بلا لقب، سعيداً بغير ثروة.
ويقول عبدالله الشمردل: المحاماة فن قبل أن تكون مهنة، وحصولك على رخصة مزاولة المحاماة لن يجعل منك محامياً بالضرورة، فقد شاهدت بعيني مُرخصين لا يفقهون!
قبل البدء يجدر بي الإشارة إلى أن مقالي هذا لا يشمل المحامين الذين يعملون بضوابط قانون المهنة وأصولها وهم كثر، وكلي احترام لكل محامٍ يعمل بصدق وأمانة.
قبل سنوات ليست ببعيدة كنت دائماً ما اقرأ تصريحات لمحامين ينددون بمهنة التعقيب، بل ويطالبون من جهات الاختصاص سرعة اتخاذ اجراء صارم يضمن لحامل رخصة المحاماة ممارسة مهنته بشكل منظم بعيداً عن مضايقة المعقبين أو «الدعوجية» كما يسمونهم في كثير من الأحيان، ويعلل المحامون بأن تنديدهم جاء بعد انتحال عدد من المعقبين صفة المحامي في المحاكم، ولا يقف الأمر عند ذلك فقد أكدوا وجود الكثير من المعقبين الذي يسيئون لمهنتهم النبيلة.
وفي هذا الصدد قرأت تحقيقاً نُشر في إحدى الصحف المحلية بقلم الزميلة الإعلامية مرام مبارك بعنوان «دعوجية ينتحلون صفة المحامين» تحدثت فيه عن هذا الموضوع، وذكرت تصريحا لمحامٍ: أكد أن انتحال المعقب لصفة المحامي له تأثير كبير في تشويه مهنة المحاماة حيث كثر وجود التلاعب والنصب، ففي حين أن المحامي درس في الجامعة وتخرج وتدرب عدة سنوات من أجل الحصول على الرخصة يأتي المعقب لينافسه بكل بساطة.
نعم يا عزيزي إن من حق أي محامٍ المطالبة بالتفرد بمهنته، وألا يشاركه فيها أحد، لكن ليس من حقه ممارسة مهنة التعقيب لدرجة أن المعقب نفسه قد لا يجد عملا له.
إن ما شدني للكتابة حول هذا الموضوع هو بعد أن شاهدت مرخصين ومتدربين على وشك الحصول على رخصة مزاولة المحاماة يؤدون اعمالاً هي أقرب للتعقيب لكن بمظهر أفضل وبمؤهل عال، نعم لقد فضلوا أن يكونوا معقبين لكن بمظهر أفضل يتمثل بحمل حقيبة، وارتداء زي فاخر.
أعلم أنك تتساءل ما إذا كنت صادقا او انني مجرد كاتب حسود يغار من أقرانه المحامين، لذا سأعرض لك عددًا من السلوكيات التي قد يرتكبها هؤلاء المرخصون أو إن شئت فقل ارتكبوها، ولك الخيار بعد ذلك لتقرر!
دعني ابدأ بسلوك شاهدته بنفسي، بعد أن ابتلاني الله بمحامٍ كان وكيلاً عن خصمي، فظهر لي جليا أن هذا المُرخص لا يتذكر من سنوات دراسته العجاف إلا قول «أبي أرجع لموكلي» فما أن يسأله القاضي سؤالا إلا وسرعان ما يجيب قائلاً «أحتاج أرجع لموكلي» فكان في كل جلسة يردد هذا المُرخّص قول: «أبي أرجع لموكلي» ويظن أن عمله تأجيل الجلسات إلى أكثر عددٍ ممكن؛ ثم دعك من هذا ولننتقل إلى مرخصٍ آخر يظن أن مهنة المحاماة هي تكوين أكبر عددٍ ممكن من العلاقات فتراه يتباهى بكثرة معارفه من منسوبي المحاكم والإدارات؛ ناهيك عن وجود مرخصين يتفننون في تضليل الحقائق وقلب الثوابت ويحسبون أنهم بذلك يُحسنون صنعا، ألم يدرك هؤلاء أن مهنتهم هي تحري الحق ونصرته!
عزيزي القارئ بعد أن قرأت ما ورد أعلاه، لا بد وأنك قد تذكرت موقفا واحدا على الأقل التقيت فيه بأحدِ هؤلاء المعقبين، -عفوًا- أقصد المحامين الذين ارتكبوا سلوكيات مشابهة أو أفعالاً لا تقل حماقة عما ذكرت، وسواءً تذكرت أو لم تتذكر، دعنا ننتقل إلى الجزء الأهم في مقالي الا وهو الحديث عن الأسباب والدوافع التي أدت إلى وجود هؤلاء؛ في الواقع أنا لا أحملهم كامل المسؤولية إذ لابد أن نحمل المحامين الذي أشرفوا على تدريبهم جزءا من المسؤولية، فقد ظهر لي من خلال البحث تصريحات أدلى بها متدربون ذكروا ملاحظات تتعلق بالمحامين الذين تدربوا تحت إدارتهم، فيذكر أحد المتدربين أن المحامي كان يعامله كمسوق إذ كان يطلب منه إحضار عملاء للمكتب، ويقول آخر: «كان المحامي يعاملني كمعقب فلقد قضيت سنتين ومهمتي هي توصيل اللوائح المغلفة والفلاشات من وإلى المحكمة».
حتى لا أطيل، اسمحوا لي أن أتطرق إلى بعض النقاط التي ربما تُجدي نفعا في حلِّ المشكلة، منها ما يرتبط تطبيقه بجهات الاختصاص ومنها ما يقع على عاتق المدرب والمتدرب، فيلزم أولاً: تقليص اعداد المتدربين المقبولين سنويا واستحداث عمليات فرز تحدد الجديرين بالعمل في هذه المهنة، وأن ترسخ فيهم أخلاقيات المهنة التي تنص على إحقاق الحق ونصرته مع التنويه إلى أن المحامي لا يكذب ولا يخادع ولا يستغل معرفته أو خبرته في نصرة الظلم؛ ثانيا: تقليص اعداد المكاتب التي يسمح لها قبول المتدربين ومباشرة تدريبهم، مع ضرورة قيام جهات الاختصاص بتنفيذ زيارات دورية للإشراف على طريقة التدريب التي يتلقاها المتدرب؛ ثالثا: يجب على مكتب المحامي الموكّل بالتدريب مراعاة الامانة التي وقعت على عاتقه، وذلك بالالتزام بخطة التدريب والعمل على تحقيق اهدافها المرجوّة؛ وأخيراً: أوجه رسالتي للمتدربين الذين هم في طورِ التدريب، اسأل مدربك عن ما تعرف وما لا تعرف، واحذر أن تستسلم للتدريب السيئ، فإن تأزم الأمر -غير مكانك انت لست شجرة- لا تتردد في الانتقال إلى مكتب محامٍ آخر تعتقد أنه أفضل.
رسالتي الأخيرة:
من الواجب على الجهات المختصة، لا سيما جهة الترخيص وهيئة المحامين، فضلا عن المحاكم، أن تتنبه وتنبه دائما إلى أخلاقيات هذه المهنة التي جاءت لنصرة الحق لا لشرعنة الباطل من أجل مكاسب مادية على حساب العدل وإحقاق الحق.
ثم أقول للمرخصين الذين فضلوا أن يكونوا معقبين: إنه في الوقت الذي تجحف فيه نفسك بمهنة التعقيب، هناك أكثر من خمسة آلاف مستشار قانوني -غير سعودي- يعملون في شركات سعودية ويتقاضون مئات الألوف بل الملايين.
وأخيراً أقول ما قال الله عز وجل (لا تكن للخائنين خصيما) فلا تشعر بالفخر حينما تقلب الثوابت أو تضلل الحقائق، وتأكد بأنك لا تقل جرماً عن موكلك المجرم الذي وكلك، واعلم بأنك قد خسرت ذاتك لتربح قضية أنت الخاسر فيها على كل حال.