لنلاحظ من جديد أن المنفذ_القائد: رجاوي بلا حدود هو الموجه لدينامية الذهن المركب لأنصار فريق الرجاء البيضاوي؛ إذ مع كل خصوصية لشعب الرجاء تشيد المنافذ إلى الرجاء العالمي في شكل تواز، أو تناص، أو تشاكل على النحو الذي رأيناه في أمثلة قيود المحيط، والانفتاح والاستقلالية:
_ فالحاضر يوازى الماضي (حاضر فريق الرجاء يتنافذ مع ماضيه)،
_ والمحلية الترابية تتناص مع المحلية الوطنية والعالمية (الانتقال من أيقونة درب السلطان نحو باقي الأحياء والمدن المغربية الأخرى، والتنافذ مع علامات ثقافية عالمية من قبيل الأفلام والأقوال والرموز والأساطير..)،
كما أن الحق في النجاح الذاتي يتشاكل مع قضايا الأمة (ملحمة الرجاء تتنافذ مع دينامية اللغة العربية...)
إنه عقد مركب يبتدئ بالذاتي والمحلي ليرتبط بالوطني والعربي والعالمي، أو يتشابك معهما ليعود من جديد إلى الذات والمحلية. وكل تحرك لبدء المدار من جديد يوجهه المنفذ_القائد: رجاوي بلا حدود الذي قد يأتي من أعلى إلى أسفل، أو من أسفل إلى أعلى، بل قد ينطلق من أية نقطة للمبادرة داخل مجموعات الأنصار بما هي جهاز تنظيمي له مسيرون ومنظمون وصناع إيديولوجيا المجموعة.
إن ما يدعم معرفيا نشاط القيود الثلاثة السابقة (المحيط، الانفتاح، والاستقلالية) قيدان محفزان يسمان النسق الذهني لمجموعات الأنصار بالتمظهر والفاعلية، وهما:
4.2.1_ قيد المقصدية والتفاعل؛
تشتغل وكالة مجموعات الأنصار الرجاوية لتنفيذ مختلف المهام انطلاقا من مقصديات وأهداف، معلنة أو مضمرة، واعية أو غير واعية تفسرها الشعارات، والأنشطة التنظيمية والاحتفالية. ذلك أن كل منفذ يتمدد ويتحول بوصفه جزءا من خلية غير ساكنة؛ حيث ينجذب إلى أهداف ومعتقدات محلية. فمطلقات (Déclencheurs) من قبيل النسر والمصارع الروماني وهرقل.. وغيرها، ما هي إلا موجهات لأهداف نحو التعزيز النفسي المعرفي لتشاكلات البطولة والصمود، والالتزام لجعل منجزات الفريق في القمة بعيدا عن مخاطر السقوط والاندحار....
إن المنفذين، في سياق هذا النسق الأسطوري، يتصرفون وكأنهم حراس لقلعة محوجزة، أو مقاتلون أشراس في مملكة رجاوية عتيدة. فالمبادرة الذاتية للمنفذين تحكمها مقصديات، والمقصديات يتم التعبير عنها بواسطة أنساق للتفاعلية المتعددة. وهي تفاعلية تتخذ شكل العقد المتشابك الذي يؤشر على انخراط أنصار الفرق الكروية العالمية في أحداث رياضية أو ثقافية جارية أو بيئية..... مثل: قضية المناخ أو الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.....
إنها تفاعلية مركبة؛ تتشابك فيها الحدود والمنافذ بالنظر إلى علاقة كرة القدم بمحيط سوسيو_اقتصادي مشحون بعناوين ثقافية_اجتماعية تجد ترديدها المعرفي خارج الملاعب؛ حيث يفرز تمثل السياق الجاري تحول الساحات العمومية إلى مجال خصب لممارسة الديمقراطية البلاغية.
هذه التفاعلية، في تمفصلاتها الآنفة الذكر، هي المسوغ الأساس الذي يجعلنا نعتبر بعض حركات خلايا الأنصار تتصرف وكأنها عبارة عن منفذين في وكالة الحجاج والإقناع، بالنظر إلى تشكيلها لبرامج ضغط قصد تغيير وضعية معينة للفريق، أو تغيير سياسة كروية ما. وهي ممارسة تنخرط في سياق تمكين العقل القائد من أن يلعب أدوارا متعددة تنسجم والذهن المركب المتشابك الذي يسم معمار تلك الأنساق؛ فتتحول وظيفة القيادة والتوجيه الكرويين من منفذ لآخر، وهو ما يلغي نسق التراتبية في نموذجنا المعرفي النسبي.
إن وكالة الإقناع والحجاج، تشكل أحد أهم المنافذ نحو تشييد الذهن المركب لوكالات الأنصار الكروية، بوصفها عقلا قائدا يهيمن على النسق برمته كلما هيمنت حالة التفاعل مع القضايا الشائكة والطارئة في محيط الفريق أو خارجه، على تدبير المهام الخاصة بوكالة الأنصار.
هكذا، يتضح من خلال إعادة بناء النسق الذهني لألتراس الرجاء البيضاوي المغربي بناء على مفاهيم الذكاء الاصطناعي النسبي من قبيل: التطبيق الموزع، وأنساق المنفذين المتعددين، والمنفذ القائد، وتمثل السياق، أن التمفصلات المعرفية لخلية الأنصار تحكمها مبادئ الهوية، وقيود التنافذ، بل إن الأولى تحمل من المرونة ما يكفي لتشكل نسقا ذهنيا مركبا مفتوحا.
فتمثل قضايا المحيط أو السياق الداخلي لا يلغي الانفتاح على المحيط الخارجي، والمبادرة الذاتية لا تقصي المرونة والتفاعل مع الذاكرة، وموجات العصر، وصدى القضايا الحيوية في كل مكان وفق مقصديات بما هي معتقدات ورغبات ....
تركيب
الجمهور نسق ذهني موزع
بناء على ما سبق، نستنتج أن ميدان كرة القدم الرجاوية (الوكالة الكبرى) يتوزع بين مجموعات للأنصار تشكل كل واحدة منها وكالة رجاوية صغرى حيث يشتغل المنفذون وفق قيود معرفية موزعة من جهة، بين قيود الهوية من قبيل: تمثل المحيط الداخلي، والمبادرة الذاتية، وبين قيود التنافذ من جهة أخرى، مثل: المرونة والتفاعل والانفتاح. بيد أن هذه القيود تشتغل بنظام العقدة المركبة؛ حيث إن ميادين التنظيم الداخلي لهوية كل مجموعة مناصرة تبني جسورا خارج محيطها عبر منفذ استراتيجي هو العقل القائد: رجاوي بلا حدود، فتلتقي المصالح المشتركة، في كل مناسبة، بين مجموعات الأنصار برمتها. لكن حينما تتحرك خلايا الشبكة العصبية لمنظومة الأنصار في اتجاه تنشيط موسع يوسم بالاحتجاج أو بالتضامن أو بهما معا، يتعزز عقل موجه بديل هو: عقل الصوت بما هو عقل للتنافذ الشامل الذي يحين قطاعات الإقناع، والاقتراح والمبادرة.
وعليه، لنوضح المبادئ المعرفية المحايثة لهذا الذهن الموزع.
لقد ميز الباحثون المعرفيون بين المحيط من جهة، والوظيفة_ حيث لا وجود للسياق_ من جهة أخرى؛ إذ تؤشر الثانية، معرفيا، على علاقة داخلية بدون تاريخ أو تأثير على الأشياء. لذلك، يستبعد مبدأ الوظيفة بالنسبة للمنفذ المعرفي على النحو الذي رأيناه في ألتراس الرجاء، حيث إن الهوية مفتوحة، سياقية ومؤثرة في محيطها، متفاعلة مع طوارئه وتقلباته. ومن ثم، إذا كانت الهوية مفتوحة، فإن التنافذ ذاته لا يفقد النسق هويته، وهو ما نعتناه بالعقد الذهني المركب الذي يؤلف بين الحدود والمنافذ في دورات تجريبانية متعددة.
وتفسير ذلك، أن المنفذ يشتغل داخل المحيط_السياق، ويتموضع في فضاء ما، كما أنه يتوفر على جوار Voisinage))، وكل تغيير يحصل في حالته أو في حالة الأشياء معناه تغيير طرأ في المحيط وفي الزمان.
وبذلك، فالانفتاح خاصية جوهرية في الأنساق، بما في ذلك أنساق المعلومات المحينة لوجود الفريق ولكينونة أنصاره معا، إضافة إلى كونها موزعة ومتطورة مما قد يلبسها أحيانا طابع التناقض وعدم الانسجام فيما بينها، كما هو الحال بالنسبة لطريقة اشتغال مجموعات الألتراس التي تتخذ طابع السرية المنكشفة، فقط، في المدرجات يوم المباراة. وبهذا، فالنسق الذهني لألتراس الفريق الواحد يصعب النظر إليه فقط في أجزائه، أو فقط في كليته. فتلك استراتيجية تقتل الأنساق وتدمر دلالاتها الحيوية.
يقودنا ما سبق إلى ضرورة التمييز، بالنظر إلى قيد الاستقلالية، بين الموضوع Objet)) والمنفذ (Agent)؛ فالأول هوية مستقبلة، تنتظر المبادرة الخارجية، بخلاف الثاني حيث يتمايز بالمبادرة الذاتية انطلاقا من صيرورات داخلية، ودون تأثير خارجي ضروري.
إن مجموعات الألتراس، في الحالة الرجاوية وغيرها، تحوي نسقا متكاملا من المنفذين الذين ينجزون مختلف المهام التنظيمية والاحتفالية والاحتجاجية انطلاقا من حاجات ومبادرات داخلية أولا دون أن يبعدها ذلك عن التفاعل مع السياق.
ويمكن نمذجة التباين الوارد بين الموضوع والمنفذ، في طريقة تمفصل الاستقلالية النسبية، كالآتي:
هكذا، يصير ممكنا بعد هذه المقايسة بين الذكاء الإنساني (ذهن الألتراس) والذكاء الاصطناعي النسبي (البرمجيات القصدية المفتوحة)، من خلال تنشيط آليات الذكاء الاصطناعي الموزع في مجال الذكاء الإنساني الرياضي، تجاوز نظرية الذكاء الاصطناعي الضعيف عند سورل ونظرية الذكاء الاصطناعي القوي المستندة إلى تجارب شانك وأبيلسون. وبذلك، أثبتنا، من خلال حجتنا في الألتراس، العلاقة التفاعلية الواردة بين مختلف الذكاءات المتعددة في ما ينعت ببلاغة الجمهور بوصفها نسقا ذهنيا بالأساس مادام العقل الموزع للجماهيرعقل نسبي، مركب وموسوم بنشاط حيوي للمنفذين.
... ... ...
الهوامش والمراجع
ص . 18 Ricoeur - ريكور (1983).
Ricœur, P. 1983, Temps Et Recit I, Dans : Wahl, F. ed, L’ordre Philosophique, Seuil, Paris.
2_ راجع الكتابين:
_COUNCIL OF EUROPE (2009): Summary of the Questionnaire on Ultras. Strasbourg
_COUNCIL OF EUROPE (2009-2): “Tour de table”. Solothurn (TRV (2008)12 Appendix 4), 26-30
3_راجع كتابا هاما في الألتراس وسلوك المشجعين (2010)، جانتر و فرانسيسكا، ص.ص.3_31
Gunter A. Pilz
Franciska W?lki-Schumacher, M.A.
Université Leibnitz de Hanovre
Institut des sciences du sport
T-RV(2010)03
4_ جانتر و فرانسيسكا، ( 2010)، ص.ص.23_25
5_Eco, U.(1992), La Production Des Signes, Librairie Générale Française, Paris.
6_Eliblanchard, M.(1980), Des cription : Sign, Self, Desire, Mouton Publishers ..
7_Filmore, Ch.J.(1985), Frames And The Semantics Of Understanding, In : Quaterni Disemantica, Vol.6 .
8_Gibbs, JR. R.W.(1994), The Poetics Of Mind , Cambridge University Press, Cambridge.
9_Groupe u (1992), Traité Du Signe Visuel, Seuil, Paris.
10_Kleiber, G.(1990), Sémantique Des Prototypes, P U F , Paris.
11_Jakobson, R.(1973) , Questions De Poétique , Seuil, Paris .
12_Lakoff, G. (1988), Cognitive Semantics, In: Eco, U. And Violi, P.(eds) Meaning And Mental Representations, Indiana University Press .
13_Fauconnier, G.(1984), Espaces Mentaux , Minuit, Paris .
14_Peirce, Ch.S.(1978), Ecrits Sur Le Signe , Tra.Par Deledalle , G. , Seuil, Paris .
** **
- د. إسماعيل شكري
للتواصل مع باحثون bahithoun@gmail.com
تويتر @bahithoun