أبناء جلدته الأمريكان يعتبرون «نعوم تشومسكي» الفيلسوف الأول لعصرنا. وقد قال بما معناه: «الأباطرة لا يملكون مخالب إنما يشترونها على شكل مثقفين وإعلاميين ومرتزقة».
بيد أن المثقف أو الإعلامي أو المرتزق لا بد له من اكتساب «المشروعية» كي يكون مخلباً للحق أو للباطل، فلا تأثير لهؤلاء إذا لم يكن صوتهم مسموعاً لدى الرأي العام. وقد تنجح الدعاية «الرخيصة» مؤقتاً في تسويق مخالب الباطل وتعطيل مخالب الحق، ولكن لا يمكن لهذا التسويق أن يكون دائمأً. كما أنه من السهل لأباطرة أي بلد أو إمبراطورية «تنمية» مخالب لهم محليين، ولكن من الصعب تنمية مخالب عالميين أو عولميين! لأن المشروعية هنا تستمد من الرأي العام العالمي، والعالم لا يحكمه «فرد» أو فئة واحدة.
أسياد ما يُسمى «العالم الحر» ليسوا فئة واحدة؛ ولكل فئة مخالبها؛ وقد تنهش بعضها بعضاً؛ ولكن الفئة المتسلطة الأولى هي الطغمة المالية؛ أو ما يسمى بـ «الأوليغارشيا»؛ أي أصحاب البنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية الأخرى. وهذه الفئة لا يمكنها الاستمرار بهيمنتها إلا بالتوسع وابتلاع المؤسسات الأخرى. لذلك فقد صنعت لها مخالب قوية لا تستطيع أي مؤسسة الصمود أمامها. واستطاعت السيطرة والتحكم باقتصاد العالم الحر إلى درجة تهدد بانهياره. بيد أن انهيار إمبراطورية العالم الحر يؤدّي إلى انهيار المجتمع كله؛ بما في ذلك الطغمة المالية ذاتها. ما الحل إذن؟
وجدت مخالب هذه الطغمة الحل في التوسع وابتلاع العالم أجمع! فروجت لمفاهيم مثل؛ «نهاية التاريخ»؛ «صراع الحضارات»؛ الديمقراطية وحقوق الإنسان «حق مقدس للأسياد فقط»؛ الحرية هي: «من حق الأسياد قتل العبيد وليس من حق العبيد حتى الدفاع عن النفس»؛ النخبة هي: «من ارتضت أن تكون مخالب للأسياد» ... إلخ. ولكن تلك المخالب تضاءلت بالحجم والشدة مع تنامي الوعي، فلم يعد تزوير الحقيقة كافيا لستر عورة الطغمة المالية؛ وسقطت حروب المرتزقة؛ ويتهاوى الإعلام «المحايد»؛ ولم يبق أمام تلك الطغمة سوى حلّين لا ثالث لهما: إما تدمير العالم «الحر»؛ أو تدمير العالم كله! أي إما حرب عالمية لا تبقي ولا تذر؛ أو حرب أهلية تطيح بمجتمعات العالم الحر.
استيقظت «الفئات الأخرى من الأسياد»! وأدركت أن التحالف فيما بينها يسلب القوة من مخالب «الطغمة»؛ وأن الحل لا يكمن بـ «الإبادة»؛ ولا بد من القبول بـ «الآخر»؛ واحترام وتطوير العلاقات الدولية ومؤسساتها!
ما يجري الآن في العالم هو التخلي عن سياسة «المخالب المقدسة»؛ ولكنه مجرد نزع الفتيل؛ ولا بد من استكماله إلى بناء نظام دولي جديد؛ يحفظ حقوق كل الشعوب والأقوام والأعراق؛ ويبقي على ما وصلت له البشرية من ازدهار؛ ويفتح الآفاق لازدهار لاحق.
** **
- عادل العلي