سأتحدث عن عقد الثمانينات الذي سجلت فيه الصحافة السعودية أعلى مستوى من الإعلام الأدبي المنوّع والفكر الثقافي بعامة من خلال منظومة من الصحف والمجلات التي كانت تخصص ملاحق أدبية تنشر إبداعات الأدباء والأديبات بكثافة واهتمام كصحف: الجزيرة، والرياض، والمدينة، واليوم، والشرق الأوسط، ومجلة اليمامة، ومجلة اقرأ... لقد أنجبت تلك الصحافة النشطة أسماء أدبية مرموقة توازي في مستواها الأدبي الأسماء العربية المجايلة لها من جيل غازي القصيبي، وسعد الحميدين، وأحمد الصالح، ومحمد العلي. ثم الجيل الذي تلاهم وواكبهم في وقت واحد: كالصيخان، والحربيين، والدمينيين، وعبدالله الزيد، ومحمد الثبيتي، ومحمد علوان، وعبده خال، والسريحي، وعبدالله نور... وأسماء أخرى عديدة وكان الأكاديميون العرب مشاركين في النهضة الأدبية عبر الصحافة كأحمد كمال زكي، وبدوي طبانة، وحسن ظاظا، إلي جانب زملائهم: الغذامي، ومنصور الحازمي، وسعد البازعي، ومعجب الزهراني، غير أن الكاتبات سجلنّ أعلى حضور في الصحافة فقد نشرتُ كتاباً من دراساتي ومقالاتي في أعمال 45 قاصة وكتاباً آخر عن الشاعرات. كان لكل صحيفة ملحق ثقافي وقد واكبت ملحق الجزيرة الثقافي منذ حمد القاضي، وصالح الأشقر، وصالح الصالح، وسعد الدوسري. وكان لي شرف المشاركة في المسائية إبّان عبدالعزيز العيسى من خلال صفحة أسبوعية اسمها (مسارات) وكنتُ أوقعها بالجرجاني وكان الصديق خالد اليوسف يشرف على ملحقها وكان أحمد بادويلان يشرف على صفحات أخرى. كانت جريدة الجزيرة خلية ثقافية واسعة للأدب في السعودية وللأدب العربي من أقطار عربية متعددة فشارك في الكتابة للجزيرة صفوة الأدباء العرب. على أن جريدة الرياض كانت تنتج فكراً ثقافياً متميزاً عبر صفحة حروف وأفكار وعبر الملحق الثقافي الكبير وزوايا الكتاب المتنورين. وأحسب أن الصحافة السعودية في الثمانينات تحديداً سجلت أكبر قفزة إعلامية عربية ولا سيما مع ظهور مجموعة الشرق الأوسط والمسلمين ومجلة المجلة ومجلة سيدتي. كانت الصحافة السعودية مأوى لنخبة الكتّاب العرب وأشهد باعتزاز أن الصحافة السعودية كانت سبب شهرتي شاعراً وسبب شهرة عديد من الأدباء العرب أيضاً. إن أغلب الرموز الأدبية والفكرية في السعودية الآن هم من إنتاج مرحلة الثمانينات.
** **
- د. راشد عيسى