عبدالرحمن بن إبراهيم أبو حيمد
اليوم الثالث من الشهر الرابع الهجري، واليوم الثالث والعشرين من الشهر الأول للعام الميلادي، يوافق ذكرى البيعة وتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- مقاليد الحكم في مملكتنا الحبيبة، وهذه السنة 1442هـ - 2020م توافق الذكرى السادسة، أنه يوم مجيد، يذكره كل مواطن ومقيم، يوم خير وبركة ومناسبة سعيدة وغالية في تاريخ المملكة، مملكة عالية نتفيأ ظلالها، وننعم بخيراتها، ونستظل بدوحة أمنها ورخاءها، منذ توليه حفظه الله مقاليد الحكم، وهو يبذل قصارى جهده لتثبيت الأمن، وحماية المكتسبات والتراث، وتنويع مصادر الدخل للبلاد، والدفع بالتنمية إلى آفاق رحبة وشمولاً ورقياً واتساعاً.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- واجه في سنوات حكمه ثلاث معضلات رئيسية، أولها استمرار اعتماد المملكة على البترول كمصدر دخل رئيسي، وما يحمله ذلك الاعتماد من مخاطر، فالبترول والغاز مصادر ناضبة، والعالم بدأ يوفر ما يكفي عنها، ناهيك عن تنافس الدول المنتجة لها في الفوز بالأسواق العالمية، لذلك تبنت المملكة رؤيا 2030 ، بعد دراسات معمقة ودقيقة وشاملة، الرؤيا تؤتي ثمارها في كل مجال، محاربة الفساد في كل مجال وقد أتت بنتائج كبيرة وفعالة، وبكل حزم وعزم، ودون تمييز لأحد، واحتلت المملكة المرتبة العاشرة بين دول العالم في محاربة الفساد، الآفة التي عطلت المشاريع، وامتصت خزينة الدولة، والمعطلة للاستثمارات المحلية، والأجنبية، كان الفساد يستنفذ حوالي 15 % من ميزانية الدولة، ناهيك عن فساد المشاريع وسوء التنفيذ والتأخير.
توفر تعليم الطلاب والطالبات عن بُعد آتي ثماره، والتنقيب عن البترول والغاز حققت آمالها باكتشافات جديدة حتى وصل رصيد المملكة في ذلك أكثر من 336 مليار برميل زيت، 323 تريليون قدم مكعب من الغاز، ومن ذلك حقل الجافورة الذي دعم الناتج المحلي بـ75 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، واحتياطات ذلك الحقل قدرت بـ200 تريليون قدم مكعب من الغاز الرطب، وحقل هضبة الحجرة، وأبرق الثُلول في شمال المملكة، وحقل مرجان أضاف 300 ألف برميل زيت، و205 مليار قدم مكعب من الغاز، وعمليات التنقيب والاكتشافات ما زالت مستمرة.
استمرار تنفيذ مشاريع التنمية من طرق، وإسكان، ومطارات، وقطارات، ومدارس، ومستشفيات وغير ذلك، توظيف المواطنين والمواطنات حظى بأولوية في الرؤيا، وتم توظيف الآلاف منهم في هذا العهد الزاهر، حتى انخفضت نسبة البطالة من 13 % إلى 11.8 % .
تنفيذ المشاريع الكبرى التي توفر الترفيه والحياة الكريمة للمواطن، وتساهم في دخل الدولة السنوي بدأ تنفيذها، ورصدت مبالغها ومنها مشروع نيوم الذي تقدر تكاليفه بأكثر من 500 مليار دولار، ومشروع القدية السياحي الضخم للعاصمة الرياض، والذي تقدر مساحته 334 كيلومتراً، وتكاليفه تجاوزت العشرة مليارات دولار، وبوابة الدرعية التي تشكل مشروعاً تاريخياً وتراثياً وسياحياً، سيغير وجه العاصمة الرياض عند اكتماله، وتكاليفه تزيد على 64 مليار ريال، ثم تدشين برنامج الصناعات الوطنية اللوجستية، والتي ستشغل العديد من شباب وشابات الوطن، وتنقل التقنية إليهم، وقد ارتفعت الصادرات الوطنية إلى 290.5 مليار دولار، كما تم تدشين أكبر مشروع للتشجير كمرحلة أولى يضم 7.5 مليون شجرة في نواحي الرياض، حدائق الملك سلمان، ومشروع الرياض الخضراء، ومشروع المسار الرياضي، ومشروع الرياض آرت كلها تحت التنفيذ، وتكاليفها تجاوزت 86 مليار ريال، الصناعات العسكرية نالت نصيبها من الرؤيا ومن اهتمام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده أطال الله عمرهما، حيث ستصل نسبة التوطين إلى 55 % ، مشاريع إنشاء دور للسينما، والاستفادة من الطاقة الشمسية، التحول السريع والمتقن إلى الحكومة الإلكترونية، إنجاز سريع ومتقن، والمستفيد المواطن وغيره، استراح من العناء والمراجعات، وكثرة التنقل، السرعة في إنجاز المهام والأعمال، وتم ذلك في الأمور المدنية والشرعية والمالية، والفكرية والثقافية، والاقتصادية وغيرها، إنشاء مركز الملك سلمان للمساعدات الدولية الذي نفذ أكثر من 439 مشروعاً، شملت 124 شريكاً، وبلغت تكاليفها أكثر من 16 مليار دولار لأكثر من 46 دولة.
احتلت المملكة بفضل الله، ثم بفضل الإصلاحات، وتنفيذ رؤية المملكة 2030 مراتب متقدمة في كثير من المجالات، فهي رابع اقتصاد عالمي من الاحتياطات النقدية التي بلغت 1861.6 مليار ريال، وثالث دول العشرين، وصلت المرتبة التاسعة فور إدراج شركة أرامكو التي تجاوزت قيمتها تريليوني دولار، احتلت المملكة المرتبة الخامسة متفوقة على روسيا في سندات جي. بي مورجان عام 2018م، والأولى عربياً في صافي وضع الاستثمارات الأجنبية، حسب رأي جامعة بنسلفانيا الأمريكية BAV فإن المملكة تاسع أقوى دولة عالمياً من حيث قوة النفوذ وريادة الأعمال، وتحقق الرقم 39 في تقرير التنافسية العالمية 2018م، وتأتي بعد النرويج 873 مليار دولار في قيمة الصناديق السيادية حيث وصلت قيمة الصندوق السيادي السعودي إلى 803 مليارات دولار، في حين أن أبوظبي 773 مليار دولار، والصين 747 ملياراً، وإذا ما أضيفت أرامكو إلى قيمة الصندوق السيادي السعودي فتصبح قيمته 2703 مليارات دولار، والمملكة ثالث أعلى دولة في مخزون الثروات الطبيعية في العالم حيث تقدر ثروتها بـ 34 تريليون دولار في إبريل 2018م، احتلت المملكة المرتبة الثانية في خارطة التنافسية، والمرتبة الرابعة في الدين الحكومي العام، والمرتبة السابعة بين الدول الأكثر تنافسية في مجموعة العشرين، والمرتبة 18 في الكفاءة الحكومية متقدمة 12 مرتبة عن وضعها الأول، والمرتبة الثامنة في قدرة السياسات الحكومية على التكييف مع المتغيرات، الوصول بنسبة تملك المواطنين للإسكان إلى 60 % متجاوزين الهدف المحدد، وسرعة النت في المملكة جعلتها الأولى عالمياً، وكذا في سرعات 5G ، والمملكة أسرع دول العشرين نمواً في الناتج المحلي، والمرتبة 25 في كفاءة الأعمال متقدمة 20 مرتبة عن مركزها السابق، هذه الأرقام تعطي دلالة واضحة على أن المملكة سائرة بحزم وعزم في طريق الإصلاح، والتنافسية في المجالات كافة، وتحقيق رؤيتها الوطنية في الوقت المحدد.
من ناحية أخرى ارتفعت موجودات المصارف إلى 2398 ملياراً، ونمت الأصول الأحتياطية للدولة بنسبة 33 % لتبلغ 1923 مليار دولار، هذا النجاح أدى إلى تهافت الاستثمارات العالمية إلى المملكة، توظيف النساء، والتوسع فيه خطوة إيجابية في تمكين نصف المجتمع (المرأة) للمساهمة في خدمة الوطن، واعتماد المرأة على نفسها في تكوين ذمة مالية مستقلة لها.
القضية الثانية التي واجهتها حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- هي قيام إيران بزراعة الجماعة الحوثية الإرهابية في اليمن وفي حدودنا الجنوبية، وما تشكله من خطر لأمننا، احتلال أجزاء من اليمن وعبثها فيه، وبدعم من الرئيس الهالك علي عبدالله صالح، وقد تصدت حكومتنا الرشيدة بالحزم والعزم، فكونت مع دول شقيقة وصديقة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وهذا التحالف وجيش اليمن الوطني يحققان انتصارات على الحوثي وجماعته، ولابد للحق أن ينتصر، وللباطل والروافض الهزيمة إن شاء الله.
أما المشكلة الثالثة التي واجهت الحكومة في عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين فهي جائحة كورونا، ذاك الداء الذي لم يترك بقعة في الأرض إلا ونزل بها، ولا مخلوق إلا حاول القضاء عليه، وقد فشلت الدول المتقدمة، كما تدعي في مكافحة هذا الوباء، وانكشفت قدراتها العلمية والطبية أمام شعوبها، وأمام العالم، فوصلت الإصابات في كثير منها إلى مئات الآلاف والوفيات بالآلاف.
أما المملكة وعلى الرغم من حداثتها إذ لم يتعدى عمرها تسعين عاماً، فقد واجهت كورونا بحزم ويقظة وتخطيط، مع أن المملكة لها وضعها الديني الخاص، فوجود الحرمين الشريفين فيها، ورغبة كافة المسلمين في الحج في حينه، والعمرة في أوقات مفتوحة، إلا أن ذلك لم يعرض بلادنا ومواطنينا والمقيمين بيننا لخسائر بشرية كما حدث في الدول الأخرى، وقد وصل عدد الإصابات إلى أرقام لا تذكر ولأقل من 400 ، مقارنة بطول البلاد وعرضها وعدد سكانها الذين تجاوزوا الثلاثين مليوناً، ونحمد الله على ذلك.
استضافة المملكة لقمة العشرين لعام 2020، كانت عبئاً إضافياً على الدولة والحكومة، ولكن وكمال قال المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
لذلك أدارت المهمة بحصافة ورزانة وتخطيط، فدعت إلى عدد من المؤتمرات والندوات لقادة الدول العشرين أو ممثليها في موضوع كورونا، وتخفيف أعباءه على الدول الفقيرة، وفي ديون الدول الفقيرة والتمديد في وقت سدادها، والإعفاء من بعضها، والتجارة بين دول العالم وتسهيلها وحل مشاكلها، إنهاء بعض القيود التجارية لضمان استمرارية الأعمال، واتخذت تدابير لتيسير التجارة بين الدول، أقرت قواعد لتبادل الخبرات لتعزيز النمو الاقتصادي، وعززت الروابط الجوية والبحرية والبرية لضمان الحصول على السلع الأساسية، وشجعت وعززت التواصل بين الحكومات والقطاع الخاص لدعم المنشآت الصغيرة جداً، والصغيرة والمتوسطة، ومؤكدة على ضرورة القضاء على الفساد وغير ذلك، وننتظر قرارات مهمة من قمة الدول العشرين عند انعقادها برئاسة خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 21، 22 نوفمبر 2020م.
كل هذه المنجزات وهذه البشائر في فترة قصيرة قليلة تأتي داعمة لتحقيق رؤية المملكة 2030 والتي تهدف إلى جعل المملكة دولة غنية متقدمة في المجالات كافة، معتمدة على نفسها، وسواعد أبنائها ومنتجاتها، فيما تحتاج إليه في حياتها، وفي الدفاع عن نفسها، وتراثها وحضارتها. إن موقع المملكة الإستراتيجي في وسط القارات العالمية، وفي ملتقى طرق العالم البحرية والجوية، وتشرفها بقيادة العالم الإسلامي، بحكم ما منحها الله من وجود الأماكن المقدسة على أراضيها في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وما وهبها الله من خيرات تحت أرضها بتجدد اكتشافاتها كل يوم، وتزايد احتياطاتها من البترول والغاز كل سنة، يجعل منها مطمعاً للصديق والعدو، وللبعيد والقريب، وما نكابد من حروب، وما نواجه من مواقف سلبية، وتعنت ومعارضة في المواقف، وفي القضايا في المحافل الدولية، إلا دليل واضح على ما نواجهه من دول العالم، وليس أمامنا حيال ذلك إلا أن نقوي جبهتنا الداخلية، وهي درعنا الواقي بعد الله، علينا أن نقوي أنفسنا بصناعة ما نحتاجه من أسلحة متطورة تغنينا عن العالم، وتجنبنا التحكم فيما نحتاجه منها، وكذا تصنيع ما نحتاجه في حياتنا اليومية وفي أعمالنا وشؤوننا.
نبارك لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، والأسرة المالكة، والشعب السعودي بهذه المناسبة، مبتهلين إلى العلي القدير أن يعيدها على الوطن وقادته وشعبه أعواماً عديدة، والبلاد وأهلها يحققون ما نصبوا إليه من تقدم وعزة وكرامة، والكل يعيش في أمن وأمان ونعمة ورخاء وعافية.