شريفة الشملان
منذ مقالي الماضي وأنا أفكر لماذا نكتب؟ لماذا نجعل من أفكارنا وما في قلوبنا حروفاً منثورة أمام القراء؟
أي شيء هذا الذي يجرنا لنضع أنفسنا تحت مجهر القراء ومن ثم المتابعين؟ قد نجد من يحب ما نكتب وقد نجد من لا يحبه وقد يتسلط علينا شيء مؤلم بسببها، ربما كلمة مضت منا يميناً أو شمالاً، ولم ندركها.. نعود لا نكتفي أبداً.
منذ كنت في الثانوية وضع لي والدي - غفر الله لكل الآباء والأمهات - مقالاً صغيراً في جريدة (المنار) التي كانت تصدر في مدينة البصرة، ورغم أنني كنت أدرس في القسم العلمي إلا أن المقال الصغير كان أدبياً. هذا ما أذكره، ومؤكد مجاملة للوالد وضعوه.
مرت السنون ودرست صحافة، لم أعمل بها لكن الكتابة لم تتركني ومنذ عام 1973م وأنا أكتب بصورة متقطعة أحياناً ومستمرة أحياناً. وكان لهذه الجريدة السبق في احتوائي، ككاتبة قصة قصيرة، والفضل لرئيس التحرير أ.خالد المالك وللأخ الفاضل حمد القاضي والمرحوم عبد الله القرعاوي.
فيما أذكر كتبت مقالاً عن الموسيقى ذات يوم في جريدة اليوم، وكأنني قلت ما لا يقال، نُشر عني مقال كبير في جريدة الرياض وصفحتان في مجلة الندوة. أتذكر وقتها أحسست برعب كبير وكدت أنهي حياتي مع الكتابة إلا أن زوجي د.عبد الله الشملان. وقف بحزم وقال لي: يجب أن تكتبي وكأن شيئاً لم يكن) وفعلاً واصلت الكتابة.
أعود فأسال نفسي: أي شيء هذا الذي يدفعنا للكتابة، وأي شيء هذا الذي كما السحر يأخذنا لهذا العالم الكبير ما بين قراءة وكتابة، شيء يذهب بنا لعوالم لم نكن لنصلها، ويعرفنا بأشخاص ما كنا لنعرفهم لو لم تقربنا لهم الكتابة التي تسافر بنا لأنحاء العالم..
عوالم منها نستخرج زادنا وعادة نضع خميرتنا الخاصة، ونكهة خاصة لحكاياتنا ونثر حروفنا ونعرف وقت النضوج، كما نعرف اكتمال البدر.
للكتابة وحم أيضاً وخشية إجهاض يطيح به قبل اكتماله، يشاركنا في ذلك الكتاب كلهم من الرجال.
كم من أفكار تتولد وتلقح ذاتها بذاتها، وكم من موقف بسيط قد ينتج قصة أو شعراً للشعراء الجميلين فيتحفوننا بقصائد كقلائد من نور، فكم حفظنا شعراً توارثناه من آبائنا، من منا لا يعرف عيون الشعر ومن منا لم يجده مبهراً يستطعمه يوماً بعد يوم.. كم من فكرة تفرض نفسها في أي وقت وتحت أي سقف وما أكثر ذلك والعينان مغلقتان للنوم، إذا ما أصبحنا وجدناها طارت.
ماذا لو لم يدون ولم يكتب، وترى كم ضاعت علينا من فنون وآداب لم تدون من شعر ورسالات حب.
نكتب لأن الكتابة تطهرنا ولأن الكتابة أغنية عذبة أحياناً نعزفها، ونشعر الآخرين بها، هي إشراقة للروح نبعثها فيما حولنا، وقد تكون فاكهة لكل المواسم، قد تكون الخليط الذي وضعنا فيه شيئاً من روحنا كما تفعل الأم وهي تمسح الخبز الساخن بشيء من الزبدة والسكر وتقدمه لصغارها، هل جربتم الوقوف أمام التنور لتلقي تلك الخبزة الصغيرة المذهلة التي لن أنسى طعمها ما حييت، أتمنى أن تكون كتاباتنا كتلك. وتفرح المتلقي كفرحنا وأيادينا الصغير تقلبها من يد إلى أخرى كي تبرد.
الكتابة الطازجة التي تخرج من القلب لعيون القراء هي القلب بنبضه والروح وما بعثت من داخلها، ترسل رذاذ الربيع المعطر براحة قداح الليمون والبرتقال.
هل اختصر كل ما كتبه بكلمات بسيطة، نكتب لنفرح، نكتب لنتحرر، نكتب لنتواصل، نكتب لنحيا، ونخبر من يحبنا أنا هنا نبر بوعدنا ونعود.
ولكم باقات من زهر الليمون والبرتقال مع هذا الجو اللطيف وقد تحررنا من إزعاج المكيفات. شكراً كبر السماء والأرض.