العقيد م. محمد بن فراج الشهري
الأحداث التي مرت بنا ابتداءً من الإساءات التي قام بها بعض الدينماركيين، وما تبعها من أحداث تسيء للإسلام ولرسول الأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وللإسلام النقي، والمسلمين الذين لا يخلطون الإسلام كانت تزداد في فترة معينة واعتذرت الحكومة الدينماركية عما حدث في ذلك الوقت إلا أن تلك الأحداث عاودت الظهور في مناطق أخرى الهدف منها استفزاز المسلمين المسالمين، والتعدي باسم حرية التعبير وغير ذلك من أكاذيب وتلفيقات الإعلام الغربي المنحرف، والكاره للإسلام والمسلمين، ثم من شراذم محسوبين على الإسلام وهم في الحقيقة أعداء خفيين للإسلام وأهله.. مما نتج عنه ظاهرة الإسلاموفوبيا وهو مصطلح ظهر حديثاً في المجتمعات الغربية معناه (التحامل والكراهية تجاه المسلمين) أو شيطنة للمسلمين.. وترتبط هذه الظاهرة بنظرة اختزالية للإسلام كدين مجموعة محددة وجامدة من الأفكار التي تحض على العنف والنظرة السلبية للآخر، وترفض العقلانية، والمنطق، وحقوق الإنسان. وانطلاقاً مما سبق يرى المصابون بالإسلاموفوبيا أن العداء للإسلام والمسلمين والتحيز ضدهم أمر طبيعي ورد فعل تلقائي على طبيعة المسلمين الشريرة كما يرون، لذا فهم يساندون التمييز ضد المسلمين وحشد قوى الغرب في حرب ضد الإسلام وأتباعه، كما حدث في فرنسا هذه الأيام وتصرفات رئيسها التي لا تنم عن فهم سليم، والمشكلة الآن أن الغرب لا يدرك أنه في خطر جديد لأن القيم الغربية تتعرض من خلال الإسلاموفوبيا للانهيار، لأنها تقوم على تعدد الثقافات فأخطر شيء بقي على الغرب الآن ليس الإسلام، بل الخطر أن تقنع الجار أن جاره هو عدوه، وتقنع الطالب في المدرسة أو الطالب في الجامعة أن زميله هو عدوه، هنا يصبح هنالك شرخ خطير.
والواقع أن هناك جهلاً صارخاً بحقيقة الإسلام، وبخاصة في العالم الغربي الذي يرى الإسلام من خلال داعش الذي هو من صناعة الغرب ومن خلال القاعدة، وتنظيم الإخوان الماكرين وغيرهم من الشراذم المحسوبة على الإسلام.. هذه هي البوابات الرئيسية التي يتغذى منها الإعلام الغربي والقنوات الغربية، ويستقي معلوماته عن الإسلام من مصادر مشابهة تفتقر في كل الحالات إلى الموضوعية والنزاهة، والتجرد، أو الإحاطة بحقيقة الإسلام وجوهره.. والخلط بين الدين الإسلامي وواقع المسلمين، إذ ليس من الخافي على أحد أن الأمة الإسلامية التي تعاني منذ قرون عديدة واقعاً مأزوماً على مختلف الأصعدة والمستويات (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية).
وهو ما ينعكس في وقوف الأمة الإسلامية في مؤخرة سائر الأمم على صعيد الإسهام الحضاري، والمشاركة في ارتقاء الإنسان وتقدمه، وتوفير الحياة الكريمة له، فعلى المستوى السياسي، عصفت الحروب، والنزاعات المسلحة وما تزال تعصف بأرواح الآلاف من أبناء العالم الإسلامي في كل عام، وأغلبهم مشردين في أصقاع الأرض، وعلى الصعيد الاقتصادي تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من نصف مليار مسلم يعيشون تحت خط الفقر، على الرغم من كل ما تتمتع به دول ذلك العالم من ثروات بشرية وطبيعية هائلة مما ترك الفرصة السانحة للغرب لاستغلال سوء السلوك السيئ لبعض المسلمين للنيل منهم ومن دينهم، وإثبات صحة الصور النمطية الشائنة، وذلك عن طريق سلوك البعض المنحرف بذلك النموذج الأسوأ عن الشخصية المسلمة، ومن ثم عن الإسلام نفسه وتلك الوسائل التي اتبعتها جماعات محسوبة على الإسلام وهو منها براء تلك التي تتبنى تيار التستر، والعنف، والقتل، والذبح ..الخ تبعتها الأحداث الآخيرة في فرنسا، وأمريكا، وبريطانيا، والتي تتبناها تلك الجماعات التي تزعم انتماءها للإسلام، ليصب بالتالي في تيار تصعيد المخاوف من الإسلام، وتضييق الخناق عليه، بحجة مسؤوليته المباشرة عن توليد الإرهاب والإرهابيين، وهذا ما تعد العدة له القنوات الغربية وتجد الفرصة سانحة لتأجيج العواطف عند وقوع أي اعتداءات لتبث سموم الحقد ضد الإسلام، وتجيّش المشاعر ضد الجاليات المسلمة، وتنفذ ذلك بأسلوب رخيص تربط به الحدث مع المفردات عبر بث حي مباشر، والإعلام الغربي يلعب دوراً مهماً في كره الإسلام، وبث العدائية تجاهه، عبر وسائله ومحليين مخصوصين لهذا التوجه، وعلى الأمة الإسلامية أن توظف طاقاتها البشرية، والفكرية، والعلمية، والإعلامية لوقف هذا الخبث وتجفيف منابعه بالقضاء على كل من يحاول تشويه سمعة الإسلام من أدعياء الإسلام أولاً ثم التوجه نحو الغرب بالأساليب الكاشفة والمتقنة والمعتدلة التي هي أساس الدين الإسلامي والحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وعدم ترك الفرصة لها لتأخذ دوراً ليس من حقها أن تأخذه أو تمتلكه، وإلا ستكون الفجوة كبيرة بين المسلمين وغيرهم ويزداد العداء رغم أني متأكد أن الإسلام سيأخذ مكانه الطبيعي في كل أرجاء العالم.
{وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (سورة الصف آية: 8).