محمد بن عبدالله آل شملان
«في معية ملك» كتاب من تأليف الأستاذ خالد بن حمد المالك، دفعت به دار الحضارة للنشر والتوزيع عام 1439هـ - 2018م، توثيقاً لزيارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - لدول العالم، واستعادةً لمكان الحدث وزمانه، مصحوباً بالنتائج والآراء الشخصية المربوطة مع ما استجدّ من وقائع سياسية واقتصادية وأمنية بحسب وضع كل دول، وتناغمها في السياسات والشراكات مع المملكة.
جاء هذا الكتاب في (335) من الحجم الكبير، وبغلاف مميز ذي تصميم رائع، ضم إحدى صور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وخلفه العلم السعودي.
وضم (3) أجزاء، ومقدمة، وقد أهداه إلى الملك سلمان: (ومن غير سلمان بن عبدالعزيز - القامة الشامخة، والزعامة التاريخية - يستحق أن يُهدى له هذا الكتاب)، وترصّعت صفحاته بالصورة والكلمة والأحداث المهمة التي كانت حاضرة عند إعداد مادة الكتاب.
وقد جاء في مقدمته: «المهم أن هناك ما يستحق الرصد والاهتمام والمتابعة، وسوف تجدونه في خطوات سلمان، وأن هناك كلمة صادقة ومؤثرة وهي لا تغيب في قول صدر عن سلمان، وأن نبحث عن الزعامة الحقيقية فلا يمكن لنا أن نفتش عنها في غير سلمان، وهذا هو ما سجلناه في كتابنا، بكل الصدق والأمانة والتوثيق الذي يبعده عن الشك، ويجعله في مكانه الصحيح ومكانته المحترمة في صفحات التاريخ».
في معية ملك
عرفت الأستاذ خالد بن حمد المالك صاحب ولع بالوطنية والثقافة السياسية، وعاشقاً للكلمة الجسر بين عقل الإنسان ووعيه، وبين وجدان الإنسان وانتمائه وحبه.
وقرأنا عباراته الرشيقة.. فانجذبنا إلى جوانب الإبداع فيها، وإلى روح الاطلاع والمعرفة في أبعادها ومعانيها، حيث قراءة الأحداث وأوجه العطاء والتحولات المتجددة لهذه الدولة السعودية الفريدة.
وفي ظهيرة يوم من أيام عام 1441هـ زرته في مكتبه في صحيفة الجزيرة، ليشرفني بإهدائه ذاك الكتاب، بعثاً لتاريخ زيارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - لدول العالم.
وماذا يمكنني أن أضيف إلى مكان الحدث وزمانه، بمناسبة ذكرى البيعة السادسة لخادم الحرمين الشريفين - أيده الله - أكثر مما سجله ذلك الكتاب، الذي وثّق المؤلف فيه المجد والشموخ؟!.
وماذا يمكنني أن ألقي المزيد من الضوء على ذلك الكتاب المتعمِّق الذي اختص فيه المؤلف (في معية ملك)؟!.
حب الوطن غريزة
نتائج وآراء المؤلف الشخصية التي جاءت بعد اختياره ضمن الوفد المرافق لخادم الحرمين الشريفين في هذه الزيارات قرَّبتنا من فهم الرجل الملك الإنسان، أوردها بين دفتي ذلك الكتاب في أسلوب بسيط شيق، علامته الصدق، ومادته المحبة ، وفحواه الملك سلمان.
ينقلنا الأستاذ خالد المالك في كتابه بمقربة من الملك سلمان، نكاد نسمع صوته ونرى إقبالته.
رجل بهذا القرب من ملك أحبّه الجميع عملاً وخدمة، حريٌّ به إذا كتب مذكراته أن يثري معرفتنا بتاريخ الوطن، والاشتغال بتاريخه إثباتاً للوطنية، وخدمة للحاكم والمحكوم، وحب الوطن غريزة لدى كل مخلوق له حاسة، والدفاع عنه واجب وطني، والبذل من أجله علامة من علامات المواطنة، والتاريخ يسجل كل حركة، وكل موقف وحادثة، والرجال هم صانعو التاريخ، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - من أشهر أولئك الذين صنعوا التاريخ.
الملك سلمان
قائد مظفر، وملك عادل، أعطاه الله وهداه، وشرح صدره واصطفاه، وأسبغ عليه حلل رضاه، وشمله بفضله ورعاه.
ابن مؤسس هذا الوطن الملك الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه -.
أطلق الملك سلمان سياسة الحزم داخل المملكة وخارجها بعد توليه مقاليد الحكم، حيث رمت هذه السياسة إلى معالجة العديد من المشكلات والتحديات، وتميزت هذه السياسة بالعزم والحزم في اتخاذ القرار الذي يخدم المصلحة العامة، فقد تمثل الملك سلمان في سياسته الحازمة بمقولة الملك عبدالعزيز المشهورة: «الحزم أبو العزم أبو اللزم أبو الظفرات، والترك أبو الفرك أبو الحسرات».
حيث قرر الملك سلمان بن عبدالعزيز البحث عن مواطن الخلل التي تحتاج إلى إصلاح والنظر فيها واتخاذ ما يلزم من قرارات للمضي في التقدم والريادة.
الصورة تعدل 1000 كلمة
إذا كانت الصورةُ تعدل ألفَ كلمة.. فكمْ ستعدِل الصور التي طالعْناها في كتاب (في معية ملك) للأستاذ خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة، والتي نقلتْ لنا السياسةَ السعودية الخارجية الثابتة، وأبرزتْ جمال الحضور القوي والمصداقية والمستقبل المنشود لهذا الوطن العظيم (المملكة العربية السعودية) وإنسانِه، والأمة العربية والإسلامية جمعاء؟.
ثمَّ.. كمْ ستعدل الصورة التي تعبِّر عن تجديد ملامح وفلسفة وفكْر مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيَّب الله ثراه - الذين سار أنجاله من بعدِه مروراً بالملك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله - يرحمهم الله - في تعزيز العلاقات بين الدول وتفعيل مجالات التعاون ضمن منظومةِ تبادُل المصالح المشتركة التي تؤْمن بها المملكة، وبحث القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك ودعم عملية السلام؟! حتى هذا العهد المبارك الذي تعيشه بلادُنا في ظلِّ القائد العظيم والملك العادل الحازم الأمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أمدّ الله في عمره وأسبغ على مقامه الكريم لباس الصحة والعافية-.
هموم .. وأهداف.. وأحلام
مبادرات.. إثراء مصالح.. تهيئة أجواء.. خلْق فرص.. اتفاقيّات.. برامج عمل.. تعاون.. تذليل العقبات.. استثمار الطاقات.. استراتيجيات.. شراكة.. عناية.. إنجاز أعمال.. تفاهم.. مواقف.. استثمار الإمكانيات.. تلك هي هموم.. وأهداف.. وأحلام.. خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود من خلال جولاته المكُّوكية لدول العالم. والذي لم يأل خلالها - حفظه الله ورعاه - جهداً في الحفاظ على قيمة الأهداف السامية التي تخص الأمة من سياسة الوطن الخارجية والعلاقات الثنائية المثالية بجهوده العظيمة والمتنامية نحو شراكة يستفيد منها الجميع.
وجولاته - أيده الله - دائماً تنتهي بالنجاحِ الذي رسمه، وبالأمل والطموح، وبكل ما هو جميلٌ في أرض مملكتِنا وأمتنا العربية والإسلامية، وبكل ما هو أجمل في إنسانِها، إنسانها الذي يريدُ له خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - ألبسه الله لباس الصحة والعافية -.
دبلوماسية متحركة
لقد قدَّمت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وما تزال تقدم كل ما تستطيع من إمكانيات مادية ومعنوية، فضلاً عن الدعم السياسي في المحافل والمنظمات العربية والإسلامية والعالمية لصالح القضايا العربية والإسلامية المختلفة، ومارستْ دوراً دولياً وإقليمياً كبيراً.
وبات العالم والعرب يتطلَّعون إليه وإليها ويبْنون مواقفهم وسياستهم وتصرفهم على أساس حسب الحساب لموقف دولته وسياستها وتصرفها. وإلى مصداقية لدى الآخرين قلَّما تتمتع بها دولة بالعلاقات الدولية المعاصرة.
وكانت أداة هذا الوطن الكبير في تحقيق ذلك دبلوماسيةً متحركة تقوم على أدب العلاقةِ الرسمية وصفاء العلاقة الشخصية، وعلى حضور ذكيّ وقوي وفاعل، يستمدّ أصوله من شرعية تاريخية للدولة السعودية، توفِّر لسياستها استقراراً واستمرارية تتوقُ للتمتُّع بها دول وأنظمة كثيرة عربية وغير عربية. ولم يكن هذا النجاح في الوصول إلى هذه المكانة المرموقة - بالتأكيد - سهلاً.
الصوت الهادئ
لقد كان صوتُ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - سلّمه الله - صافياً وصادقاً، بقدر ما كانَ متفرِّداً ونادراً، وهو يقولُ ويذكر أثناء زيارته لليابان: «نحنُ في السعودية بشر.. نخطئ ونصيب، لكننا نتمنّى الخير لكل البشر، كما ننشده لأمتنا، التي تنشد السلام والأمن، لها وللعالم، وتساهم في حلّ الصراعات الدولية، وتحاول مع دول العالم حل مشاكل الفقر والجهل والمرض التي تواجه البشرية».
وقال أيضاً: «إنّ رسالتنا في المملكة العربية السعودية مستمدة من التعاليم الإسلامية، روحها التسامح، وأداتها التفاهم والحوار، وهدفها التصدي للتطرف، وأساسها العمل الفاعل الذي ينشد الخير للشعوب، وطموحها تعميق الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وهذا ما جاء في مبادرة الملك عبد الله للحوار بين أتباع الديانات والثقافات ويحقق المصالح بعدالة ونزاهة وشفافية».
ولستُ أنوب هنا - حقيقة - عن التاريخ، فهو يستغرق وقته في جمع أوراقه وتقليب ملفّاته ووثائقه، قبل أنْ يصدر أحكامه على المواقف والرجال.
نسيم الفخر العالي
حقّاً.. إنّ الذي يرقب الحياة في هذا الوطن في حاضره المشرق المزدهر، لابد أنْ تجذبه إلى الوراء عوامل المُوازنة بين ما كان وما هو كائن ولاشك أنّه سيحس بالبوْن الشاسع بين الماضي بمتاعبه وآلامه وبين الحاضر المتحرِّك الذي يتخطّى عقبة بعد عقبة، يمثِّلُه قوله - يحفظه الله - : «نفخر بطلابنا السعوديين الذي يدرسون في معاهد وجامعات اليابان. ونشجعهم والآلاف من زملائهم الذين يدرسون خارج المملكة العربية السعودية ضمن برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي. لقد أعددْناهم ليكونوا نافذتنا على العالم، وسفراء لنا لتقديم بلادنا بصورتها الحقيقية». وتلك طبيعةُ النفوس الكبيرة التي تتشبَّث دائماً بالمُثل العليا وتحاول اللحاق بما بلغتْ أكثر الأمم تقدماً وحضارة منْ درجاتها. بل إنّه يتجاوز تلك الآمال إلى ما هو أبعدُ منها. حيث قال: «إنّ العلم والمعرفة هما الأساس الذي تقوم عليه نهضة الأمم، وهما عماد الاقتصادات الحديثة. بلادنا تبعد عنكم آلاف الكيلومترات. صحيح أننا اقتربنا من بعضنا البعض بفضل التقنية المدهشة، التي كان لكم يد في ازدهارها بالطبع، إلا أنني أدعوكم للاقتراب منا أكثر. الاقتراب من ثقافتنا الإسلامية والعربية، فلدينا الكثير مما نود اطلاعكم عليه، لتكتشفوا الكثير من المبادئ والتعاليم والقيم التي نشترك فيها معا. نحتاج لمن هم في علمكم، وإلى مثلكم لفهم ثقافتنا. فنحن نعاني من تصورات خاطئة تضعنا أحيانا في قوالب جاهزة».
الالتزام المشهود
والمرحلة الحضارية التي بلغْناها - هُنا - في هذا الكيان الكبير (المملكة العربية السعودية) لم تكن إلا بتركيز قادته - وفقهم الله - على فلسفة الأمن وإشاعة الخير كالتزام، فها هو خادم الحرمين الشريفين من خلال لقائه بالمبتعثين في اليابان يقول: «... والحمد لله بلدكم بخير ونعمة وأمن وأمان ودولتكم وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كما كان إخوته ووالده يرعون هذا الشعب ويفعلون ما فيه الخير لهم في دينهم وديناهم..».
نعمْ.. تلك هي ملامح حياتنا التي توطَّدت - منذ البدء - على دعائم الأمن بسبب تمسكنا بالعقيدة، وتلك هي ملامح قدرتنا - كدولة - تعزز السِّلْم العالمي وإرساء الأمن والسلام والخير العميم للإنسانية جمعاء.
وبعد.. فإذا كانَ ملوك المملكة العربية السعودية السابقون - رحمهم الله - حملوا همّ أعباء القيادة ومسؤولية الريادة لهذا الوطن بين العالم، فإنّ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ارتفع بالاهتمامات الإنسانية وبالخطط التقدمية الإنمائية وبالعلاقات الدولية لخدمة السلام والعدل.
وبعد...
إن المؤلف الأستاذ خالد المالك نجح في رصد زيارات خادم الحرمين الشريفين بكل أمانة، لا نملك أكثر من إعجاب برؤية، وثقة برؤية، فهو رجل تاريخي صريح لبق حازم عازم آمل.
إن المشاهد التي رسمها سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - كما سجلها كتاب (في معية ملك) - التي اتصلت بمواقف وأحداث إدارية سعودية عربية إسلامية، قد يستطيع الراسخون في علم قيادة الدول ترجمتها إلى مناهج تضيء لقادات الدول اليوم والغد، وربما اكتشفنا منها نظيرة جديدة اسمها «القيادة بالحزم والعزم والأمل».
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لهذا الوطن عزه وأمنه تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وأن يكلل مساعيهما الخيرة في خدمة الوطن ومواطنيه بالقبول والعون والمؤازرة.