كم من أعمال إنسانية نبيلة داوت جراح المرضى، وأفرحت قلوب المتعبين وربطت على أفئدة الحائرين أقبل عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - ، بحب راسخ رسوخ الجبال الرواسي في شخصيته الكبيرة التي ترنو إلى فعل الخير وتحث عليه.
لقد جُبِل الملك سلمان - حفظه الله - على أعمال البر والإحسان والوفاء فهو مدرسة للعمل الإنساني.. مدرسة في البذل والعطاء. وقد كان لدعم الملك سلمان وإشرافه الشخصي على الكثير من الجمعيات الخيرية، باعثًا على حشد كل الطاقات الخيرة في مجتمع رجال المال والأعمال، فشكل لهم نهجه - حفظه الله - قدوة ساروا على أثره وتسابقوا في ذلك، فصبت جهود عطائهم في عروق جمعيات وهيئات الأعمال الخيرية والإنسانية خيرًا ونماءً.
وقد نهل الملك سلمان وتشرَّب ذلك النهج من الدين الحنيف والإرث التليد الذي تمتع به المغفور له الملك عبد العزيز الذي أرسى الفيض العذب من مناقب الأعمال الخيرية والإنسانية والمواقف الخالدة التي شكلت نبعًا لما يعرف بالعمل الخيري التنموي الذي يستديم نفعه، وما أكثر هذه المواقف التي كانت تحث أبناء البلاد على العمل وتشجيع الشباب على تحمل المسؤولية.
جمعية البر الخيرية
منذ أكثر من 60 عاماً نشأت فكرة تأسيس جمعية البر الخيرية بالرياض على يد رائد العمل الخيري خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - في عام 1374هـ، لتخفيف معاناة المحتاجين ومد العون للضعفاء وإطعام الجائع وكفالة اليتيم ومداواة المريض ومراعاة العاجز. ومن ذلك الوقت وجمعية البر تسهم في تقديم المساعدات المالية والعينية للمحتاجين وتتطور في خدماتها من عام إلى آخر حتى أصبحت إحدى الجمعيات الرائدة في مجال الخدمة الاجتماعية والمتميزة في رسالتها وبرامجها، حيث لا تقف هذه البرامج على تقدم المساعدات المالية والعينية بل هناك العديد من البرامج التعليمية والصحية والمهنية، وكذلك التوعوية التي تقدم من خلال فروعها المنتشرة في مدينة الرياض، وتحرص الجمعية على استخدام وسائل التقنية الحديثة في استقبال وتوزيع المساعدات على الأسر المحتاجة.
رعاية الأيتام (إنسان)
تهدف فكرة المشروع إلى إنشاء مجمعات سكنية مهيأة لاحتضان المحتاجين، ومساعدتهم في تنمية قدراتهم الذاتية للخروج من دائرة الفقر، وتقديم برامج تنموية لساكني وحدات المشروع السكنية، من أجل تأهيلهم ومساعدتهم في التحول من معتمدين إلى منتجين، والعمل على استقرار الأسر الفقيرة بتوفير المسكن المناسب لها، وتحقيقاً لذلك أنشئت الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض (إنسان) بموجب الأمر السامي رقم 427 - 8 وتاريخ 22 - 6 - 1419هـ، برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز.
تهدف الجمعية إلى غرس مبادئ الدين الإسلامي الحنيف والعقيدة السليمة في عقل اليتيم ووجدانه حتى ينشأ قوي العقيدة والإيمان سليم التفكير، وتوفير أوجه العطف والحنان مع الرعاية المادية والمعنوية، وصرف إعانة شهرية لليتيم ومن في حكمه، وتقديم المساعدات في مواجهة المشكلات التي تعترض اليتيم في الدراسة بجميع مراحل التعليم المختلفة، والعمل على إنشاء البرامج والمشروعات والمراكز الإيوائية وإدارتها إدارة علمية سليمة بما يتفق وأهداف الجمعية.
رعاية الأطفال المعاقين
تعدّ علاقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - مع قضية الإعاقة واحتياجات المعوقين جانباً من أوليات واهتمامات شخصيته الإنسانية الفريدة، ورؤيته لأهمية استثمار قدرات فئات المواطنين كافة في مسيرة تنمية المجتمع، وقناعته بأن الجميع شركاء في الحقوق والواجبات.
وعلى صعيد اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - بقضية الإعاقة، ودعمه احتياجات المعوقين كانت البداية قبل نحو 30 عاماً مع توجيهه، رعاه الله، وقتئذ كان أميراً للرياض، ببدء أنشطة جمعية الأطفال المعوقين من أروقة جمعية البر بالرياض، إلى جانب تقديم الدعم المالي لمشروع الجمعية الأول، في إطار عنايته الكريمة الذي استشرف بحسهِ الإنساني أهمية أهداف الجمعية تجاه هذه الفئة الغالية من الأطفال، وضرورة برامجها العلاجية والتعليمية والتأهيلية لمساعدتهم على تجاوز حالة العزلة عن المجتمع.
وقد رعى الملك سلمان بن عبد العزيز افتتاح الجمعية السعودية الخيرية لرعاية الأطفال المعاقين مشروعها الأول «مركز رعاية وتأهيل الأطفال المعاقين في الرياض» في 9 صفر 1407هـ، وبدعم من الملك سلمان حصلت الجمعية على الأرض التي أُقيم عليها مشروع مركز الرياض.
وتقدم الجمعية الرعاية المتكاملة للأطفال المعاقين علاجًا وتعليمًا وتدريبًا وتأهيلاً، ومنحهم القدرة على الاندماج في المجتمع، وإكسابهم المهارات الضرورية التي تساعدهم على خدمة أنفسهم، ويوفر المركز منذ افتتاحه أرقى مستوى ممكن من الخدمات لأكثر من 1600 طفل وطفلة.
وسعت الجمعية إلى تأسيس مراكز رعاية وتأهيل المعاقين في جميع أنحاء المملكة، وبدأت بمشروعاتها في المنطقة الغربية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، وتضم هذه المراكز العديد من الأقسام الطبية والتعليمية والتأهيلية، إضافة إلى الإدارات المساندة ومساكن الموظفين. ويعد مركز جدة من أضخم مشاريع الجمعية حيث بلغ التكلفة الإنشائية التقريبية له حوالي 105 ملايين ريال، إضافة إلى مبلغ (10) ملايين ريال للتأثيث والتجهيز.
وتعد مسيرة الملك سلمان مع الجمعية حافلة بالمواقف النبيلة، والخير والعطاء، وتعود هذه المواقف بداية مع توجيهه الكريم ببدء أنشطة الجمعية من أروقة جمعية البر، بل إن النشاطات الأولى للجمعية كانت بدعم مالي من جمعية البر في الرياض.
ومنذ ذلك التاريخ تواصلت الرعاية الكريمة من قبل الملك سلمان بن عبد العزيز للجمعية دون انقطاع، حيث رعى المؤتمر الأول للجمعية الذي نُظم خلال الفترة من 13 - 16 - 5 - 1413هـ، وحضره أكثر من 400 خبير في شؤون الإعاقة من دول العالم كافة، وصدر عن المؤتمر عدد من التوصيات المهمة حظيت بموافقة المقام السامي، وأحدث عقد المؤتمر تأثيرات إيجابية واسعة المدى في مستوى الخدمات المقدمة للأطفال المعوقين، بل إن النظام الوطني للمعوقين كان إحدى أهم توصيات هذا المؤتمر الذي عقد في الرياض بدعم مباشر وغير مباشر منه - حفظه الله - .
مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة
وانطلاقاً من رؤية الملك سلمان الثاقبة لمستقبل الجمعية وضرورة الخدمات التي تقدمها للأطفال المعوقين، وجّه بتبني فكرة إقامة مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، بهدف إثراء البحث العلمي في مجال الإعاقة وتطبيق النتائج في حقول الوقاية من الإعاقات من جهة، في رعاية المصابين من جهة أخرى.
ويعد مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة أحد مشاريع الجمعية كذلك، وله شخصية اعتبارية مستقلة، ويعنى بإثراء المعرفة ووضع الأسس العلمية للوقاية والرعاية في مجال الإعاقة، كما خصصت الجمعية جائزة للبحث العلمي والخدمة الإنسانية، تتضمن منحة بحثية تصرف للبحث العلمي في مجال الإعاقة، وتبلغ قيمتها (500) ألف ريال.
وقدم الملك سلمان منحة مالية لتأسيس المركز قدرها عشرة ملايين ريال، حيث يمثل مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة نقلة حضارية نوعية للرعاية الصحية في المملكة من خلال إنجازاته المتميزة في مجال البحوث الطبية والعلمية التي تلقي الضوء على حجم وأهمية الإعاقة الجسدية والعقلية لدى الأطفال الذين يمثلون المستقبل المشرق للوطن. وظل الملك سلمان يتابع عن قرب خطط عمل المركز بنشاطاته المختلفة، ولم يكن من المستغرب أن يبادر خادم الحرمين بتخصيص مقر لمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة في الحي الدبلوماسي في الرياض، كما تفضل برعاية افتتاح مقر المركز في 27 - 7 - 1417هـ، وتكريم الجهات العلمية والأكاديمية والأشخاص الذين أسهموا في خدمة المركز، وخدمة رسالته السامية التي يضطلع بها هذا المركز الخيري الذي يعد أول مركز من نوعه، على نطاق المملكة والوطن العربي.
ومن خدمات المركز تنشيط البحث العلمي الذي يسهم في الحد من مشكلات الإعاقة من خلال وضع الأسس والمعايير الصحية الوقائية اللازمة للحد من تفاقم هذه المشكلة، ولمعالجة أسبابها في المراحل المبكرة توطئة لتأهيل هذه الفئة من المعوقين للقيام بدور فاعل في المجتمع؛ مما يقلل من الهدر الاقتصادي الكبير الذي يجب توظيفه في مجالات أخرى تخدم مسيرة التنمية التي تحرص عليها حكومتنا الرشيدة.
ومثلت رعاية الملك سلمان بن عبد العزيز لفكرة إنشاء جمعية المؤسسين في المركز لتوفير الدعم المادي لبرامج المركز دفعة نوعية لتطوير الخدمات التي يقدمها المركز مما يسهم في الحد من الإعاقة لدى الأطفال.
وتسهم جمعية المؤسسين، وهى فكرة رائدة، في إحداث نقلة نوعية في إنجازات المركز، إضافة إلى الإنجازات العديدة التي حققها مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة التي تمثلت في إنجاز البحث الوطني الأول لدراسة الإعاقة لدى الأطفال على مستوى المملكة الذي شمل أكثر من 60 ألف أسرة، وإعداد وتمويل العديد من البحوث العلمية المتخصصة وتعميم نتائجها على الجهات المختصة لتحقيق الاستفادة منها، وإنجاز نظام رعاية المعوقين في المملكة. وسعى المركز إلى تبني مشروع برنامج وطني شامل بالتعاون مع وزارة الصحة من خلال اتفاقية موقعة بينهما في هذا الخصوص، للكشف الجيني المبكر لجميع الأطفال حديثي الولادة في المملكة فيما يتعلق بأمراض الغدد الصماء وأمراض التمثيل الغذائي.
رعاية المرضى
تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - الرئاسة الفخرية لجمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي، (كلانا)، وقدم برنامج رعاية غسيل دموي لمرضى الفشل الكلوي المحتاجين، ولإنجاح هذا البرنامج تم التعاون مع 31 مركزاً لغسيل الكلى، و29 جمعية خيرية، ويغطي هذا البرنامج الغسيل والأدوية والتنويم والعمليات والمواصلات، ويبلغ متوسط تكلفة البرنامج 80 مليون ريال سنوياً.
وتعد جمعية «كلانا»، التي تأسست بمبادرة من الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما كان أميراً لمنطقة الرياض عام 1401هـ، من أرقى المراكز الطبية، حيث نافست المراكز العالمية في مجال أمراض الكلى والغسيل الكلوي، وفقاً للمعايير الطبية والفنية، فضلاً عن تقديمها لخدمات اجتماعية ونوعية للمستفيدين، مع مراعاة المعايير العلمية، لضمان جودة الخدمة.
تكريم وتقدير الجهود الإنسانية
وتقديراً لجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الإنسانية فقد حصل على الكثير من الأوسمة من داخل المملكة وخارجها، منها جائزة الأولمبياد الدولي الخاص لذوي الاحتياجات الخاصة لدعمه واهتمامه بالمؤسسات الخيرية، خصوصاً التي تهتم بأفراد هذه الفئة الذين يجدون منه دعماً غير محدود.
كما أطلق أهالي الرياض «جمعية الملك سلمان للأعمال الخيرية»، كتقدير وعرفان على ما بذله من جهد ووقت لخدمة منطقة الرياض، التي تأتي كدلالة راسخة على مدى العلاقة المميّزة بينه وبين جميع المبادرات الخيرية، التي ارتبط اسمه بكل عمل خيري، وكان القاسم المشترك في كل الأعمال الخيرية التي حظيت بمتابعة شخصية منه.
ختاماً فإن الملك سلمان يرى أن العمل الخيري المتعدي نفعه إلى الناس هو خير من العمل الذي لا يتعدى صاحبه، والعمل المتعدي نفعه إلى الآخرين هو في شريعة الإسلام أعظم أجراً وأكثر نفعاً وأجزل ثواباً؛ لأن هذا العمل سبب لحصول الفلاح في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
نسأل الله - عز وجل - أن يطيل في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ويمتعه بالصحة والعافية وأن يجزل له المثوبة ويجعل أعماله الخيرية في ميزان حسناته ويسدد خطواته في خدمة الإسلام والمسلمين.