الرياض - «الجزيرة»:
تحتفل سلطنة عُمان الشقيقة في الثامن عشر من نوفمبر بالذكرى الخمسين لنهضتها المباركة، وأبناؤها المخلصون يواصلون بكل عزمٍ وتفانٍ تحقيق المزيد من الإنجازات تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق الذي أخذ على عاتقه مواصلة مسيرة البناء والتقدم على مستوى الإنسان العُماني والوطن في نهضة متجدّدة طموحة تشمل مختلف مناحي الحياة.
تحل هذه الذكرى الوطنية الغالية هذا العام والعُمانيون يستذكرون فقيد وطنهم وباعث نهضتهم السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور - طيب الله ثراه - الذي أسس دولة حديثة تواصل حضورها الذي لا تخطئه عين في مختلف الميادين.
الانتقال السلس للحُكم
تولى جلالة السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم رغم المصاب الجلل الذي ألمَّ بالوطن والأمتين العربية والإسلامية إثر رحيل السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - رحمه الله -، إلا أن يوم الحادي عشر من يناير من العام الحالي 2020 كان يومًا خالدًا من أيام عُمان سطّر فيه العُمانيون ملحمة وطنية من الوفاء والإخلاص، إذ شهدت السلطنة خلاله انتقالًا سلسًا للحكم عندما قرر مجلس العائلة المالكة عرفانًا وامتنانًا وتقديرًا للسلطان الراحل وبقناعة راسخة تثبيت من أشار إليه لولاية الحكم إيمانًا منهم بحكمته المعهودة ونظرته الواسعة.
إنجازات جلالة السلطان المعظم
وقد تمكّن السلطان هيثم بن طارق خلال الأشهر العشرة الأولى منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد من تحقيق العديد من المنجزات بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين في مختلف المجالات، توجت بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لتتواكب مع «رؤية عُمان 2040»، التي شارك في رسم ملامحها جميع فئات المجتمع بما يلبي تطلعات جلالته، إذ أسهم المشاركون في تحديد توجهاتها وأهدافها المستقبلية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمستقبل أكثر ازدهارًا ونماءً.
تنظيم العمل الإداري في السلطنة
وقد شكل المرسوم السلطاني رقم 75 / 2020 في شأن الجهاز الإداري للدولة نقلة جديدة في ممارسة وتنظيم العمل الإداري في السلطنة، إذ انه سيسهم في تبسيط الإجراءات والانتفاع من الخدمات المقدمة وإنجازها بشكل أسرع الأمر الذي يتوافق مع توجهات «رؤية عُمان 2040» التي تعد أولوية لتنمية المحافظات والمدن المستدامة، وبمثابة توجه استراتيجي من خلال اتباع نهج لا مركزي نصّت عليه المادة الثانية التي تذكر أن «الجهاز الإداري يتكون من وحدات مركزية كالوزارات والأجهزة والمجالس وما في حكمها ومن وحدات لا مركزية كالهيئات والمؤسسات العامة وما في حكمها».
وسيسهم المرسوم السلطاني رقم 101 / 2020 المتعلق بنظام المحافظات والشؤون البلدية في تنمية متوازنة بين المحافظات واستثمار الموارد بشكل أفضل، والاستفادة من المقومات السياحية والتراثية وتوفير الخدمات المطلوبة لكل محافظة بالإضافة إلى إدارة مرافق البلدية.. كما أن مجلس شؤون المحافظات سيعمل على التنسيق بين المحافظات في ممارسة اختصاصاتها ومتابعة المشاريع الإنمائية، بالإضافة إلى تقييم أدائها وتقدير الموازنات ومراقبة استثمار مواردها.
القائد يلتقي أبناء شعبه
من جانب آخر مثّل لقاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم بعدد من شيوخ ولايات محافظة ظفار بولاية صلالة في شهر سبتمبر الماضي تعميقًا للتواصل الدائم بين القائد وأبناء الوطن، واستمرارًا لمدرسة السلطان الراحل ودلالة على حرص جلالته الدائم على الالتقاء بالمواطنين ليطلع على احتياجاتهم ومتطلبات ولاياتهم عن قرب، ويستمع إلى ملاحظاتهم ومقترحاتهم بشأن الخدمات التنموية وتطويرها وتعزيز دور الجهات الحكومية في إيصالها لمختلف أرجاء البلاد في إطار الخُطط التنموية الشاملة والمُستدامة «.
وعلى الرغم من الدور الذي يقوم به «مجلس عُمان» بغرفتيه الدولة والشورى في الجانب التشريعي بالإضافة إلى دور مجالس البلدية في الجانب التنموي، فإن هذه اللقاءات تمثل الممارسة العملية للشورى العُمانية وهي ثيمة أصيلة مستمدة من العادات والتقاليد العُمانية.
توجيهات سامية بمعالجة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد
من جانب آخر تجلى اهتمام جلالة السلطان المعظم بمعالجة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد « كوفيد 19 « التي بدأت منذ أواخر العام الماضي 2019 م في أغلب دول العالم بصورة واضحة وجلية في تفضله «حفظه الله ورعاه» بالأمر بتشكيل لجنة عليا لبحث آلية التعامل مع هذا الفيروس والتطورات الناتجة عن انتشاره والجهود المبذولة إقليميًّا وعالميًّا للتصدي له، ومتابعة الإجراءات المتخذة بشأن ذلك ووضع الحلول والمقترحات والتوصيات المناسبة بناء على نتائج التقييم الصحي العام.
تأسيس «الصندوق الوقفي لدعم الخدمات الصحية» و»الصندوق الخاص بدعم جهود وزارة الصحة لمكافحة فيروس -كوفيد 19»
من جانب آخر يعد تأسيس «الصندوق الوقفي لدعم الخدمات الصحية « و»الصندوق الخاص بدعم جهود وزارة الصحة لمكافحة فيروس -كوفيد 19» على مستوى عالٍ من الأهمية، فقد تفضل جلالته في إطار دعمه الشخصي لمكافحة هذه الجائحة بالتبرع بمبلغ عشرة ملايين ريال عُماني للصندوق المخصص للتعامل مع الجائحة، وهو ما يؤكد تضافر الجهود بين القائد والحكومة وأبناء الوطن والمقيمين من أجل القضاء على هذه الجائحة.
كما اتخذت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا «كوفيد 19» العديد من الإجراءات للحد من انتشار هذا الفيروس، ونظرًا لما أفرزته هذه الجائحة من آثار اقتصادية ألقت بظلالها على مختلف دول العالم فقد تفضل جلالة السلطان فأمر بتشكيل لجنة منبثقة عن اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا كوفيد 19، تتولى معالجة الآثار الاقتصادية الناتجة عنها على المستوى المحلي، وقد صدرت عنها جملة من القرارات تمثلت في حزم وتسهيلات تقدمها الحكومة لمؤسسات وشركات القطاع الخاص إضافة إلى برنامج القروض الطارئة لمساعدة بعض الفئات الأكثر تضررًا من رواد ورائدات الأعمال.
السياسة الخارجية العُمانية
أما فيما يتصل بالسياسة الخارجية العُمانية فقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - في أول خطاب لجلالته على ثوابت هذه السياسة وهي التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحُسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير الداخلية .. كما أكد جلالته انتهاجه خُطى السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور، وجاء في خطابه في هذا الخصوص : «وعلى الصعيد الخارجي فإننا سوف نترسم خطى السلطان الراحل مُؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات».
وقد أكدت حكومة السلطنة في شهر سبتمبر الماضي أمام الدورة الـ 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة في الكلمة التي ألقاها معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية أن جلالة السلطان المعظم - أيده الله - «أكد بما لا يدع مجالًا للشك أن السلطنة ستواصل السياسة الحكيمة التي وضعها السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - طيب الله ثراه - باني نهضة عُمان الحديثة ومهندس سياستها الخارجية وعلاقتها الدولية على مدى الخمسين عاما الماضية».
وتتمثل المبادئ والأسس التي قامت عليها السياسة الخارجية العُمانية في نهضتها المباركة انتهاجها طرق الحوار لحل المشكلات المختلفة ودعم قيم التسامح والعدل والمساواة وحسن الجوار وسيادة القانون واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والتسوية السلمية للنزاعات على أسس أحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي «والذي عزز بدوره من مكانتها إقليميًّا وعالميًا حتى غدت منارة للأمن والسلام».
ويقوم نهج السياسة الخارجية العُمانية في نهضتها المُتجدّدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم على أسس ثابتة مستمدة من حضورها الحضاري والثقافي ومن قيم المجتمع العماني الأصيلة، تلك المتمثلة في الرغبة الصادقة في إعلاء شأن الإنسانية وإرساء السلام لها وعبر انتهاجها التسامح مبدأً والاعتدال قيمة حتى أصبحت وسيطًا مقبولًا ومرحبًا به في الوسط الدولي.
الجانب الاقتصادي .. « رؤية عُمان2040 «
وعند الحديث عن الجانب الاقتصادي فإنه لا بُد من التطرق إلى «رؤية عُمان 2040» وإلى اقتراب موعد انطلاق الخطة الخمسية العاشرة في شهر يناير المقبل مع انخفاض أسعار الذهب الأسود وتأثيرات انتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» السالبة على اقتصاد دول العام جميعها ومن بينها السلطنة.
وقد شكلت هذه الظروف تحدّيًا حقيقيًّا للحكومة الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ عدد من الإجراءات المهمة، يأتي في طليعتها الإعلان عن خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020 - 2024) التي تتضمن عدة مبادرات وبرامج تهدف إلى «إرساء قواعد الاستدامة المالية للسلطنة وخفض الدين العام ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي بتوجيهه نحو الأولويات الوطنية وزيادة الدخل الحكومي من القطاعات غير النفطية، وتعزيز الاحتياطات المالية للدولة وتحسين العائد على استثمار الأصول الحكومية بما يضمن تعزيز قدرتها على مواجهة أي صعوبات وتحديات مالية وبما يضعها على مسار النمو والازدهار الاقتصادي».
كما عملت حكومة السلطنة ممثلة في وزارة المالية على إصدار عدة منشورات بهدف ترشيد الإنفاق للعام الحالي منها تخفيض موازنات الوحدات الحكومية بنسبة 5 بالمائة، وتعديل الموازنات التشغيلية والخطط المالية للشركات الحكومية بنسبة 10 بالمائة كحد أدنى بالإضافة إلى إجراءات أخرى تتمثل في ترشيد النفقات الخاصة بالإيفاد في المهام الرسمية والتدريب وتخفيض مكافآت وأتعاب مجالس إدارة الهيئات والمؤسسات العامة والشركات الحكومية واللجان التابعة لها بنسبة 50 بالمائة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة التي ستبدأ في شهر أبريل من العام المقبل بنسبة 5 بالمائة.
وقد بلغت جملة الإيرادات المقدرة للموازنة العامة للدولة لعام 2020 نحو (10) مليارات و(700) مليون ريال عماني باحتسابها على أساس سعر النفط (58) دولارًا أمريكيًّا للبرميل، حيث قدر إجمالي الإنفاق العام (13) مليارًا و(200) مليون ريال عماني بعجز تقديري يبلغ نحو (5ر2) مليار ريال عماني أي بنسبة (8) بالمائة من الناتج المحلي.
وقد أكد جلالة السلطان المعظم في خطابه التاريخي الذي ألقاه في شهر فبراير الماضي وتطرق فيه إلى عدد من ملامح المرحلة القادمة من البناء على مراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة؛ بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية عبر قول جلالته : «وسنهتم بدراسة آليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وسنولي هذه الجوانب كل العناية والمتابعة والدعم»، حيث قام جهاز الاستثمار العُماني بإعادة تشكيل مجالس إدارة 15 شركة يشرف عليها الجهاز وإعادة هيكلة شركات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، بالإضافة إلى الإعلان عن مشروع شركة متكاملة لتسويق الخضروات والفواكه في السلطنة تتبع الشركة العمانية للاستثمار الغذائي .
لقد أوجدت منظومة القوانين والتسهيلات المتعلقة بالاستثمار في السلطنة بيئة جاذبة ومشجعة للاستثمارات الوطنية والأجنبية ومن هذه القوانين قانون استثمار رأس المال الأجنبي.
قانون نظام «الأمان الوظيفي»
وفي سبيل توفير سبل العيش الكريم للمواطن العُماني في ظل التطورات الاقتصادية على مستوى العالم، يعد صدور قانون نظام «الأمان الوظيفي» وتمويله بمبلغ 10 ملايين ريال عُماني من لدن جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - كبداية لتأسيسه تأكيدًا للتوجيهات السامية التي تهدف إلى الإسراع في بناء نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية يضمن حماية ذوي الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي من أي تأثيرات متوقعة جراء تطبيق ما تضمنته خطة التوازن المالي متوسطة المدى.
قطاع التعليم والبحث العلمي
ـ اهتمام عماني أصيل بالبيئة
عملت السلطنة منذ بواكير النهضة المباركة على تطبيق سياسة تأمين سلامة البيئة ومكافحة التلوث والمحافظة على النظم البيئية المختلفة في إطار الأهداف الأساسية للتنمية المستدامة وحماية الحياة الفطرية وصون الطبيعة والحفاظ على الموارد المتجددة والعمل على استغلالها بصورة مستدامة.
وتهتم حكومة السلطنة بعمليات تقييم التأثيرات البيئية للمشاريع الصناعية والخدمية ومشاريع البنية الأساسية قبل إقامتها، وتنظم من خلال «هيئة البيئة» برامج منتظمة للرقابة والتفتيش البيئي عليها بعد تشغيلها على اعتبار أن ذلك يوفر تشخيصًا ميدانيًا يُعرف بالأوضاع البيئية القائمة للمشاريع والتدقيق على التأثيرات البيئية الناتجة عنها بعد تشغيلها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة تلك التأثيرات ومنعها أو التقليل منها إلى أقصى حد ممكن.
حرية الرأي والتعبير
وعند الحديث عن النهضة المتجدّدة التي يقودها جلالة السلطان المعظم فإنه لا بدّ من الحديث عن أفق حرية الرأي والتعبير التي كفلها النظام الأساسي للدولة .
وتؤكد المادة أن حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون.
المرأة العُمانية
ومن الجوانب المشرقة في عهد النهضة المتجددة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - جانب الاهتمام بالمرأة العُمانية وتأكيد دورها الحيوي في بناء الوطن أسوة بأخيها الرجل على مختلف الأصعدة، وقد شدد عليه جلالته بقوله «ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنبا إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها».
وقد تفضل جلالة السلطان في أكتوبر الماضي فأنعم بوسام الإشادة السلطانية على عدد من الشخصيات النسائية العُمانية.