محمد آل الشيخ
أنا ضد مطالبات بعض البسطاء والعوام بمقاطعة المنتجات الأوربية كافة، لأن هؤلاء السذج البسطاء لا يمانعون من أن يتضوروا جوعاً وعوزاً لقاء أن يضروا الغرب (الكافر) كما يسمونه. لهؤلاء أقول: قبل أن تفكروا هذا التفكير - مع توافقي معكم بأن الإساءة إلى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- خط أحمر، نرفضه ولا نتسامح مع من يسيء إليه - يجب أن تفكروا بحالكم. فنحن - يا سادة - أمة، تأكل من غير زرعها، وتلبس من نسيج وصناعة غيرها، وتعالج مرضاها بأدوية ومنتجات غيرها، وتتنقَّل بصناعات من تريدون مقاطعتها، نحن أمة مستهلكة، لا نعرف الإنتاج، بل وفي ثقافتنا من يحتقر الصناعة وممارسة المهن، لأننا قوم محاربون، مقاتلون، نفتخر ونمجد ونعتز بالإنسان الشجاع الذي يلقي بنفسه إلى التهلكة، ولن نبرح مكاننا قيد أنملة حتى نعترف أولاً وقبل كل شيء بأمراضنا، ولا نشتط غضبًا إذا ما انتقصنا الغرب واعتبرونا بلا مبادئ إنسانية حضارية.
ولا أدري كيف تريدون مقاطعتهم وأغلبية العرب يتكدسون على أبواب سفارات الغرب (الكافر) لعلهم يتفضلون عليهم بتأشيرة تسمح لهم أن يعيشوا في بلادهم، وبعضكم قد يلقي بنفسه في البحر ويواجه المخاطر التي قد تودي بحياته عسى ولعل أن يصل إلى حيث يعيش الكفار، وإذا قدر الله ووصل إليهم، لا يلبث إلا ويستغل الحريات، فيتنمر عليهم ويثير الفتن والقلاقل طالبًا أن يغيروا قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم واستبدالها بالقيم والعادات والتقاليد للبلاد التي قدموا منها. تسألهم: إذا كان هذه مطالبكم فلماذا إذًا لم تبقوا في البلاد التي أتيتم منها؟.. فلا تجد إلا حديثًا ومغالطات لا تُسمن ولا تغني من جوع.
هذه العنتريات والتنمرات التي يُظهرها بعض المهاجرين العرب في بلاد الغرب سترتد عليهم في القريب العاجل آثارها السلبية، فمنظمات اليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا تتكاثر وتستقطب أعدادًا متزايدة من الأوربيين الأصليين، الذين يكنون للمهاجرين عموماً وللمسلمين خصوصاً موقفًا مناوئاً عنصريًا، عنيفاً، وهم حتمًا في طريقهم لتولي السلطات في أغلب الدول الأوربية. وهناك كثير من الأساليب والطرق لدى هؤلاء، من شأنها في التحليل الأخير التضييق على أولئك المهاجرين وتقليم أظافرهم، عندها سيدرك هؤلاء الديماغوجيون الغوغائيون خطورة وفداحة تنمرهم على أهل البلاد الأصليين وهتك قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم التي جعلتهم يتفوقون على بلادهم التي فروا منها.
وسأذكر لكم هنا قصة سمعتها من بعض العرب الذين يعيشون في هولندا. فقد خرجت في أمستردام مظاهرة بالآلاف تندد بفرنسا، وموقف الرئيس ماكرون، فطوقتهم أجهزة مكافحة الشغب الهولندية، وأعلنت بمكبرات الصوت: أن كل من سيصر على إثارة الشغب والقلاقل من المتظاهرين لن يسمح له بالحصول على الجنسية الهولندية، وفي دقائق تفرق المتظاهرون ولم يبق إلا عشرة أشخاص؛ وهذا يعني أن التعامل مع هؤلاء بتراخٍ ودونما حزم وشدة شجعهم على الشغب، وعندما سمعوا أن الأمر قد يتطور إلى الحزم، فروا وولوا الإدبار هاربين.
مشكلة البلاد الأوربية مع المهاجرين التعامل معهم بإنسانية، ومن لا يعرف قيمة الحرية فهو مثل الوحوش يجب أن يروض قبل أن يستأنس، فالأمن يجب أن يكون له الأولوية القصوى قبل الأخلاقيات الإنسانية الأخرى.
إلى اللقاء