عبده الأسمري
بين الفساد والدمار ارتباط وثيق.. يجعل درء المفسدة مقدمًا على جلب المصلحة في منظومة شرعية وحياتية وإنسانية تمثِّل قواعد أساسية وأركاناً مؤسساتية في صناعة «النماء» على مستوى الفرد والجماعات...
يظهر ويقع ويحل الفساد عندما تكون الإدانة جلية واضحة مع كل اختلال في ميزان النتائج.. بعد أن يتم ترجيح كفة باطلة عن أخرى سوية في ظل غياب «النزاهة» وتغيب «الأمانة».
بعد حملة المكافحة عن الفساد والتصريح الشهير لسمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان التي وضعت حداً فاصلاً رسم «العدل» في أبهى صوره وأزهى مشاهده امتلأت الأنفس فرحاً بتساقط الفاسدين كأوراق خريف مكشوفة طالها «اليباس» بعد أن امتلأت اخضراراً مؤقتاً بائساً ومخجلاً بمفاسد اقتصت من خيرات الوطن فكان مصيرها «النهاية» المؤلمة..
الفساد لدينا «أزلي» وأوراقه الملطخة بالسواد كثيرة وهنالك جذور مغروسة في جسد «التنمية»، حيث اعتادت أكف «اللصوص» أن تملأ حياة أصحابها بمال «مسروق» ومغنم «منهوب» أضاع حقوقاً وبدد واجبات وأشاع فوضى ونشر خطيئة..
الفساد متشعّب وشخصية الفاسد ممتلئة باتجاهات متعدِّدة من هوس الطمع وبراعة التخفي واتخاذ الاحتياطات والتمرّس على الكذب والاعتياد على الاحتيال والتدرب على المراوغة وإجادة لبس الأقنعة الزائفة في سبيل تمرير حيل «المفسدة» واستغلال الأوقات وتوفير «شلة» خاصة للمفاسد.
تم ضبط العديد من الفاسدين وأجريت معهم «التحقيقات» وآخرون يخضعون لجلسات «الاستجواب» منهم «الغني» وفيهم «المقتدر» ووسطهم «البائس» فيما يندر أو ينعدم أن يكن بينهم «الفقير» ورغم الإعلان الشفاف عن «حجم» الفساد وتفاصيل «الإدانة» والتي أثلجت صدر كل نزيه وكل مخلص ووطدت الأمان ونشرت «عبير» المساواة وأعلنت «تقدير» الإخلاص.. إلا أن هنالك أمراً مهماً جداً يتعلَّق بتحليل شخصية الفاسد ورصد أساليب الاحتيال وتحديد أبعاد السمات واستخلاص أسباب الأخطاء وفهم معاني اللا سواء..
يجب أن يكون هنالك دراسة مستفيضة لحياة الفاسد وتداعيات سلوكه وانعكاسات تعامله وخلفيات معيشته وتدقيق في مجالات دراسته وأعماله الوظيفية ورصد التقييم المهني له وأنا على يقين أن هذا الاستطلاع العميق في أنحاء الشخصية سيظهر لنا العديد من خفايا الفساد التي تؤكِّد وجود الجذور العميقة للفاسد أو ارتباطه بأحد أذرعه المفسدة لاحقاً أو الكشف عن خلايا فساد خفية أو أخرى تحت التشكيل..
الشخصية الفاسدة.. من الشخصيات «المركبة» والمنغلقة كثيراً في التعاطي مع الآخرين.. خوفاً من انكشاف الأوراق.والمنفتحة بحذر مع أصدقاء الفساد.. وتعمد إلى الارتباط المشروط في تبادل المصالح وفي تصيّد أخطاء ومفاسد الغير حتى تكون «طوق» نجاة «فاشل» للفاسد من انفضاح أمره من أحد المنشقين عن شلة الفساد من لصوص المال العام.
سلوك الفاسد.. يعتمد على التغذية الراجعة والانطلاق من حيث «المردود» ويتعامد بشكل كبير على تحول الفساد إلى عادة مرتبطة بسلوك زمني يقتضي اقتناص الفرص وبالتالي فان هنالك مواسم معينة لممارسة الفساد والتي يكون فيها المتورِّط في استغلال النفوذ أو سرقة المال الحكومي أو الرشوة أو التزوير وغيرها من القضايا في تفرّغ واحتياط وتخطيط مسبق وفق حجم المفسدة والتي عادة ما يشكِّل لها الفاسدون اجتماعات سابقة لعمل الخطط التي تضمن عدم الكشف عنهم وتقتضي أيضاً ضمان ولاء أطراف الجماعة الفاسدة وأخذ المواثيق عليهم وربط انكشاف الأمر بعدة قيود تتعلَّق بوقوع الشبكة في شرك واحد أو السلامة جميعاً إلى بر أمان مؤسف سيظل دائماً في الجانب «المؤقت».
لشخصية الفاسد ارتباط بالعادة، فمع ممارسة الفساد لسنوات يتعمّق لديه مفهوم الاستزادة خصوصاً في ظل قرب «التقاعد» أو محدودة أو ندرة الفرص والذي يتجه فيه الفاسدون إلى شعور معزّز للفساد من خلال السلامة من العدالة في ظل تجاوز العديد من الصفقات الصعبة والحصول على نتاج «الباطل» في وقت وجيز.