أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أشهر المنتقدين للديمقراطية الفيلسوف اليوناني «سقراط» الذي كان يشجع رفاقه على الاستخفاف بالنظم الديمقراطية بقوله (إنه من السخف أن يتم تعيين الحكام «الأراخنة» بالقرعة، بينما لن تجد إنساناً يقبل أن يعمل لديه ملاحاً أو نجاراً أو عازفاً تم اختياره بالقرعة، علماً بأن الضرر الذي ينجم عن سوء اختيار هؤلاء أقل كثيراً من الضرر الذي ينشأ من أخطاء سياسة الدولة).
وكما سخر «سقراط» من قاعدة اختيار الأفراد لكثير من المناصب والأعباء العامة بطريق القرعة، سخر من أهم مؤسسة في النظام الديمقراطي كله، وهي «الإكليزيا» أو «الجمعية الشعبية»، مصدر السلطات في الدولة.
لقد دار حوار بين «سقراط» وأحد تلاميذه حول العمل السياسي، نفهم منه أن التلميذ كان متردداً بشأن قدرته على اقتحام مجال السياسة، لشعوره بالرهبة من مخاطبة الجمهور، وخوض المناقشات العامة أمام الملأ. هنا يعاتبه «سقراط» مفصحاً عن احتقاره الشديد للجمعية الشعبية «الإكليزيا» قائلاً: (إنك لا ترهب مخاطبة أكثر الناس ذكاء ومقدرة، وها أنت تخجل من مخاطبة جمهور من التافهين والبلهاء، ممن تخجل؟ من حلاجين وإسكافيين ونجارين وحدادين وفلاحين وتجار وأصحاب حوانيت في الأسواق، أناس كل همهم أن يشتروا بسعر أقل ليبيعوا بسعر أعلى؟ هؤلاء هم أعضاء الجمعية الشعبية «الإكليزيا»).
وهاجمها كذلك تلميذه «أفلاطون»، وتشاءم من نتائج تطبيقها، (لأنها إن جعلت الناس جميعاً سواسية في الحقوق والقوى، فلن يستطيع الدهماء -بحكم تربيتهم- أن يحسنوا اختيار حكامهم، وقد يوضع الأمر في أيدٍ طائشة جاهلة تسير بسفينة الدولة في بحر متلاطم الموج، ولا تزال الأنواء تتنازعها حتى ينتهي «الحكم الديمقراطي» إلى «أثوقراطية» مستبدة)، وحذَّر منها «أرسطو» فهي (حكم طالح شديد الخطر، حكم العامة والرعاع، يقوم مهرِّجٌ خداعٌ يفسد عقيدة الأمة ويغرر بها فتنتخبه عن رضىً وطواعية، وهو في الواقع طاغية لا يصلح لشيء، والذين ينتخبون هذا الطاغية -في العادة- هم العامة أكثر الجماعة عدداً، ومعهم قلة من ذوي المصالح الشخصية، والأطماع الخاصة). هذا ما قيل في عصر الفلسفة اليونانية عن الديمقراطية، فماذا كان مصيرها بعد ذلك، هذا ما أعرج عليه في مقال الجمعة -بإذن الله-، وإلى لقاء، والسلام.