د. محمد بن يحيى الفال
بعد ما يقارب الشهر من إعادة تشكيل مجلس الشورى وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود كلمة ضافية ووافية مع بدء المجلس أعمال السنة الأولى من دورته الثامنة. الكلمة جاءت كذلك بتفصيل دقيق وشفاف لمنجزات الدولة ولأهم ما نفذته من أجل الاستمرار في دورها الفاعل في التنمية المستدامة في الداخل وفي دعم تعزيز السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي. احتوى الخطاب الملكي لمجلس الشورى على عدة محاور منها ما يتعلق بالشأن الداخلي والإقليمي والدولي.
على مستوى المحور الداخلي فقد بدأ الخطاب الملكي بالتأكيد على استمرار المملكة في جعل الشورى مبدأ لا تحيد عنه وهو الأمر الذي انتهجه الملك الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن وكان رحمه الله قد جعل تكوين مجلس للشورى على قائمة اهتماماته ومنذ سنوات التوحيد الأولى وذلك برغم كل التحديات التي واجهته حينها إيمانا منه بأهمية مشاركة المواطنين في تنمية بلادهم والمساهمة في رفعتها وتقدمها. عليه انطلق أول مجلس شورى للمملكة في عهده رحمه الله وافتتح بنفسه أول جلساته وذلك قبل ثلاث وتسعين سنة خلت وتحديداً بتاريخ 17-1-1346هـ الموافق 16-7-1927م، ولم يتوقف الملوك الذين جاءوا من بعده بالتمسك بمبدأ الشورى والذي هو بادي القول مبدأ إسلامي أصيل من أدبيات الحكم في الإسلام. ولجعل الشورى عملاً مؤسسياً صدر بتاريخ 27-3-1412هـ أمراً ملكياً في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله صدر بموجبه النظام الأساسي للحكم والذي تكون من 83 مادة وجاءت المادة 68 منه بتشكيل مجلس للشورى وبينت فيه المادة نظامه وطريقة تكوينه وكيفية ممارسته لاختصاصاته واختيار أعضائه. التمسك بمبدأ الشورى أخذ كذلك منحى غاية في الأهمية وهو فيما يتعلق بمشاركة المرأة السعودية في أعمال المجلس وتعزيز مكانتها في مشاركة الرجل في تنمية بلادها وهو الأمر الذي تم ومنذ سنوات وليتوج في هذه الدورة بتعيين سيدة في منصب قيادي في مجلس الشورى وهو ما صدر بخصوصه أمر ملكي قضى بتعيين الدكتورة حنان الأحمدي في منصب مساعد رئيس المجلس. تعيين الدكتورة حنان الأحمدي في هذا المنصب يؤكد للعالم أجمع بأن مسيرة تمكين المرأة السعودية ماضية بقوة وثبات في ملف وضعت القيادة إدارة دفته لصاحب السمو الملكي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز والذي نفذ لهذا الملف إنجازات مُبهرة وحقيقية وفي وقت قياسي جعلت المرأة السعودية تشغل مناصب عليا في كل وزارات ومؤسسات الدولة بما فيها تعيينات لها في الخارج كسفيرات وهو الأمر الذي تحقق لأهم سفارات المملكة في الخارج وهي سفارتها في الولايات المتحدة والذي عينت عليها صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان.
الجائحة الكونية وما خلفته تطرق لها الخطاب الملكي وكيف بأن المملكة وبتوفيق من الله وبسبب الإجراءات الاحترازية التي طبقت بمهنية عالية جداً استطاعت بأن تخفف من آثارها على المملكة وفي كافة النواحي سواء كانت صحية، اقتصادية أو اجتماعية ومع استمرار الجائحة استطاعت المملكة وبمهنية لفتت أنظار المتخصصين في تنظيم الحشود وبتطبيق أعلى الاحترازات الطبية، أن تنظم مناسك الحج في العام المنصرم وبدون تسجيل إصابة واحدة بين الحجاج الذين أدوا الفريضة والذين كانوا في جلهم من المسلمين المقيمين في المملكة وذلك في رسالة رمزية من المملكة لكل المسلمين في كل أرجاء العالم بأنها تضعهم قبل مواطنيها في كل ما يختص بأداء شعائرهم بكل يُسر وطمأنينة في المقدسات التي شرفها المولى برعايتها وخدمتها.
ومن الجدير ذكره هنا فالخطاب الملكي الذي جاء مع بداية الجائحة وما تضمنه من شفافية بخطورتها وبأهمية التضامن لتجاوزها بأقل الخسائر يعتبر وثيقة تاريخية في الكيفية التي تتعامل معها القيادات الرشيدة مع شعوبها في زمن الكوارث والشدائد. ومع ما تضمنه ذلك الخطاب من شفافية بخطورة الوضع فهو كذلك كان مُفعما بالتفاؤل وهو الأمر الذي نراه ظاهراً أمام أعيننا في تجاوز بلادنا لمخاطر الجائحة وهو ما فشلت فيه دول عظمى لها تجربة وباع طويلان في مواجهة الجوائح الكبرى. جنودنا البواسل في الحد الجنوبي وتضحياتهم أشاد بها الخطاب الملكي بالدعاء لشهدائنا بالجنة والثبات لمن هم على ثغورنا مدافعين عن بلادهم بكل بسالة.
رؤية المملكة 2030 أشار إليها الخطاب الملكي وما أنجزته وبأنها خارطة لمستقبل المملكة وشملت الإنجازات المتحققة منها في قطاعات عدة مثل الإسكان والترفيه والسياحة والرياضة وتعزيز الاستثمار الأجنبي وتمكين للمرأة وأكد الخطاب الملكي بأن خطط الرؤية القادمة سوف ترتكز على تمكين المواطن وزيادة حصة القطاع الخاص في التنمية.
في الشأن الإقليمي تطرق الخطاب الملكي لثلاثة محاور وهي خطورة المشروع الإيراني في الإقليم والذي نراه جلياً في دعمه بالمال والسلاح لعصابة الحوثي الانقلابية في اليمن والتي ترفض الانصياع للقرارات الدولية الهادفة لوضع حد لمعاناة الشعب اليمني الشقيق الذي أبتلي بهذه العصابة التي تحاول تمرير المشروع الإيراني في السيطرة على اليمن وهو الأمر الذي يرفضه أهل اليمن بكل فصائلهم جملة وتفصيلاً. القضية الفلسطينية التي تضع المملكة في قائمة اهتماماتها الإقليمية وأكد الخطاب الملكي وكما هو الحال دائما على موقف المملكة الدائم بشرعيتها وبوقوف المملكة مع الشعب الفلسطيني الشقيق وحقه في إقامته لدولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ضمن القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2002، ودعم الخطاب الملكي المسار التفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتحقيق حل عادل ودائم. مستقبل وأمن العراق الشقيق تطرق له الخطاب الملكي مؤكداً على أهمية تعزيز ذلك من خلال تعزيز عمل مجلس التنسيق السعودي العراقي. معاناة الشعب السوري الشقيق المستمرة، أكد الخطاب الملكي أهمية إنهائها بخروج المرتزقة ووحدة التراب السوري المؤكدة بالقرار الأممي رقم 2254 ومسار جنيف 1.
محور الشأن الدولي تركز جُله على مسألتين هما رئاسة المملكة لمجموعة العشرين واستقرار سوق الطاقة العالمي، في المسألة الأولى أثبتت المملكة قدرة ومهنية فائقة في ترؤسها لمجموعة العشرين الاقتصادية وبرغم الجائحة الكونية فقد قدمت المملكة كعضو في المجموعة مثالاً رائعاً لبقية الأعضاء في كيفية التعامل مع الجوائح وأهمية التعاون الدولي في ظروف الجوائح الكونية وهو الأمر الذي أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته للقمة الافتراضية الاستثنائية للمجموعة الذي عقدت في شهر مارس المنصرم وفي الحادي والعشرين من شهر نوفمبر الجاري سيشهد أعمال القمة الاعتيادية وستقدم فيها المملكة تجربتها في مواجهة الجائحة وتأكيدها على ضرورة التعاون والتنسيق الدولي للتعافي من آثار الجائحة. المسألة الثانية تطرقت لدور المملكة في استقرار سوق الطاقة العالمي وهو ما قدمت فيه المملكة من تضحيات وتنازلات كبيرة من أجل استقرار أسعار النفط الذي يشكل عصب الحياة الاقتصادية للبشرية جمعاء.