هو محمد طارق بك عبد القادر الطرابلسي، القائد الليبي المحنك، لُقِّب بألقاب عدة منها : (طارق الإفريقي) أو (الزعيم الإفريقي) أو (البطل الجسور) أو النمر الأسود) أو (نمر القدس الأسود)، هو أول رئيس أركان حرب لجيش الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - مؤسس المملكة العربية السعودية - عام 1932م، حيث كان تعينيه برتبة لواء، وكان يحمل رتبة الزعيم في الجيش العثماني السابق، والزعيم لقب عسكري يساوي لقب (آل جنرال) وعليه عرف بالزعيم الإفريقي، وسبب تلقيبه بالإفريقي أو النيجيري هو أن أمه كانت نيجيرية، أما والده فهو ليبي الأصل والمنشأ، هذا وقد حصل جدل واسع قلَّ نظيره - بين عدة دول حول أصله، فكل دولة تدعي أنه منها كالسعودية وسوريا والسودان، لكن جاء الرد الحاسم من ابنته الوحيدة (نعمات) عبر صحيفة الجزيرة لتقول: (والدي ليبي أبا عن جد، وكان يحمل الجنسية السورية ومات بسوريا العام 1955م)، نعته الناعتون بقولهم: هو رجل ممشوق القوام، جبر العظام، طويل القامة، مهيب في قوامه، مهذب في حديثه وكلامه، وكان على الرغم من جديته وانضباطه صاحب نكتة وطرفة، وقد وصف أيضاً بأن كان خفيف الظل أنيساً مؤنساً في مجلسه ومع رفاقه وأصحابه، أتقن عدة لغات: اللغة العربية والتركية والألمانية والفرنسية إلى جانب لغة (الهوسا النيجيرية، وعرف بشجاعته وحماسته وحزمه واهتمامه بقضايا العالم العربي والإسلامي التي كان معاصرة لها آنذاك، كما وصفه من عاصره بأنه كان يتسم بالأمانة والصدق وأدل دليل على ذلك قصة عودته بالأموال الطائلة التي زودته بها الدولة العثمانية لإيصالها إلى جبهة القتال في ليبيا ضد العدو المحتل، وحينما انتهت الحرب قبل وصول الزعيم طارق اضطر إلى العودة من مصر إلى اسطنبول ليسلم المبالغ التي أؤتمن عليها.
تقول كتب التراجم التي خاضت في التعريف به أو الحديث عن تاريخه وبطولاته، أنه ولد عند أخواله في نيجيريا وذلك عام (1888م)، وكان وثيق الصلة بهم، وكانوا يرعونه في غياب والده، أما مكان عيشه فكان في ليبيا حيث درس فيها الابتدائية، ثم أكمل تعليمه في كل من سورية وتركيا وألمانيا، وعاش في ظل والديه حتى وفاة أبيه وهو ميمم وجهته لحج بيت الله الحرام، وكان والده بصحبته وصحبة أخيه، وبعد وفاة الأب أكملا طريقها لأداء مناسك الحج، وهناك تعرفا على أحد «البشوات» إبان الدولة العثمانية، حيث أعجب بهما فطلب منهما موافاته في اسطنبول، وافق الأخوان على الفكرة فارتحلا إلى تركيا وتعلما في المدارس التركية ثم التحقا بالكلية الحربية وتخرجا منها، فما كان من أخيه إلا الإقامة في تركيا حيث طاب له العيش هناك، وتزوج من امرأة تركية.
أما الزعيم فقد قرر الذهاب إلى سوريا وكان العالم حينها يعيش أحداث الحرب العالمية الأولى، وفي سوريا التحق بوهيب باشا بأحد القطاعات العسكرية، ثم حصل على الجنسية السورية، وهناك واصل نضاله العسكري وتحصيله العلمي، فكتبت عنه الصحف العربية وعلى رأسها صحيفة (الأيام) الدمشقية، كما كتبت عنه صحف غربية أيضاً، كانت مناوئة لإيطاليا وحلفائها، وظل بهمته في صعود حتى ارتقت به المناصب، وكانت المنطقة تمر بمطامع استعمارية، ومن هنا خاض معارك جمة ومن أهم الحروب التي خاضها:
- الحرب العالمية الأولى في البلقان وشرقي أوروبا وكان ذلك في آخر سنوات الحكم العثماني.
- الحرب ضد المستعمر الايطالي، في كل من الحبشة وليبيا.
- الحرب ضد اليهود في فلسطين.
- الحرب ضد الانجليز في مصر.
- الحرب ضد المستعمر الفرنسي في مالي والجزائر وتونس.
وبعد خروج المستعمر ظل الزعيم الإفريقي وزملاؤه يتابعون أوضاع الأمة العربية والإسلامية يقدمون تضحياتهم الصادقة لقادة الدول العربية والإسلامية، وقد كانت المنطقة تحمل أروع ملاحم التعاون والاتحاد الإسلامي والقومي.
وأما قصة قدومه للمملكة العربية السعودية فهي أن المؤسس - طيب الله أثره وثراه - كان يبحث عن عساكر مدربين، وجنود حرب مهيئين، وذلك من أجل تكوين الجيش السعودي، وفق المراسم العسكرية المتقدمة حيث ظل في همته على قدم وساق، في البحث عن جندي عسكري محنك يبدأ في رسم صورة الجيش السعودي الحديث التي يصبو إليها المؤسس، فما كان من الزعيم الليبي البشير السعداوي إلا الإشارة على الملك عبد العزيز بالزعيم طارق الإفريقي، وكانت الألوية العسكرية السعودية في قيادة عدد من الجنرالات كسعيد کردي وسعيد جودة وإبراهيم الطاسان وغيرهم من قيادات الجيش السعودي الأبي، فما كان من (النمر الأسود) إلا الامتثال لأمر المؤسس فقدم إلى المملكة وتسلم قيادة أركان حرب الجيش السعودي الذي ما زال يرفل في بواكيره الأولى، حيث تم رسم خططه على يد المؤسس - طيب الله ثراه - ورجاله البواسل.
ويضيف المؤرخ الرويشد عن بدايات تأسيس الجيش ما نصه أن الملك عبد العزيز بدأ في تأسيس هذا الجيش بتشكيل عسكري بسيط، ربطه بقائد الأمن العام عبد العزيز بغدادي، ثم استقدم بعض الضباط من أقاليم عربية أخرى مثل العقيد محمد مراد الاختياري الذي وضع أسس التشكيلات العسكرية الإدارية، كما استقدم نبيه العظمة من سورية فاستمر في إدخال التحسينات الممكنة في قطاع الجيش يساعده القائد الشهيد فوزي القاوقجي، تم كل ذلك قبيل سنة 1358 هجري وهو العام الذي استقدم فيه الزعيم طارق الإفريقي وعين في رئاسة أركان الحرب.
تروي لنا نعمات ابنه الزعيم الإفريقي قصة رحلة والدها للمملكة فتقول: (قرر الملك عبد العزيز أن يأتي بطارق وكان وحده، لم أكن أنا ووالدتي معه، كان أول مكان يصل إليه هو مكة المكرمة حيث كان موقع الجيش، وطلب منه الملك أن ينظم الجيش وأن ينقله من مكة إلى الطائف بحكم مساحة المنطقة وقربها من مكة، وكان الملك عبد العزيز قد رأى فيه شخصا جديرا بالاحترام والتقدير فقربه إليه، وكان أن حصل بينه وبين بعض من يعملون معه اختلافات في وجهات النظر، فقرر طارق ترك العمل والعودة إلى سورية إلى مقر عمله الأصلي بعد أن أمضى ما يقارب خمس سنوات في المملكة وعاد إلى سورية وشارك في الحرب ضد اليهود وقاد سرية الإنقاذ التي ضربت وقتل جميع أفرادها ما عدا القائد طارق وسائقه الخاص به ثم عاد بعدها إلى سورية وواصل جهاده وبعد مدة زار الأمير مشعل - وزير الدفاع حينذاك - سورية فعلم طارق بقدومه فذهب لزيارته، وهناك طلب منه الأمير العودة للمملكة وفعلاً رحب الزعيم طارق بذلك ومع عودته تم تعيينه مديراً للعمليات الحربية، وكان يداوم في قصر شبرا مع الملك عبدالعزيز بالطائف.
وظل الزعيم في وطنه الثاني المملكة فتقلب في مناصب عدة وهي:
- أول رئيس أركان حرب لجيش الملك عبدالعزيز.
- مديراً للعمليات العسكرية بالجيش السعودي.
- مستشاراً في الجيش السعودي هذا وقد سطر أسمى معاني الحزم والعزم في خدمة سياسة الدولة السعودية العسكرية وجاءت منه إنجازات هامة ضخمة وهي:
- تأسيس رئاسة أركان الجيش السعودي.
- المشاركة في تأسيس الجيش السعودي النظامي.
- تدريب الألوية العسكرية في الجيش السعودي.
- إعادة فتح المدارس العسكرية في المملكة العربية السعودية.
- ساهم في تشكيل الفرقة الأولى للفرسان.
- توحيد الزي (اللباس) العسكرية للجيش السعودي.
- استبدال الفترة والعقال بالبرية (الطاقية العسكرية) للرجل العسكري.
- سن النظام العسكري للجيش السعودي.
ويذكر له حضوره المؤتمر الدولي الإسلامي الأول حول مدينة القدس حيث حضره مع كبار الشخصيات في العالم آنذاك والذي عقد في بيت المقدس سنة 1931م وأما ثقافته فلا يسأل عنها، حيث أنه كان موسوعي الثقافة، طالب علم ومعرفة، عرف بحدة الذكاء وسرعة الفهم، فقد كان يقرأ بنهم وشغف ويتابع المستجدات على النطاقين العربي والإسلامي لاسيما في الناحية السياسية وكذلك الاجتماعية، وكانت له ذاكرة قوية تحفظ القصائد والأشعار والملح والنوادر، ووصف بحرصه على قراءة الكتب الدينية والأدبية ولإتقانه لأكثر من لغة فقد كان ملماً بكثير من عادات الشعوب وتقاليدها، ويعرف عنه صلته بالقرآن الكريم وكتب السلف، وهو من يحرص على نشر السنة النبوية المطهرة، كل هذا يزينه ما كان يتسم به من الأمانة والصدق والنزاهة، وقد وجد الزعيم «طارق الأفريقي» أن إقامته في الحجاز وقبلها في سورية فرصة لنشر بعض مقالاته وكتبه التي له على منهج السلف وهدفها تنقية المجتمع الإسلامي من صور وعادات ما أنزل الله بها من سلطان فأتحف المكتبة العربية بأربعة كتب هي من طرزت بها المكتبة جواهرها وأصدافها، هذه الكتب هي:
- (المبتدعات في الدين).
- (الحرب في الحبشة).
- (الدولة السعودية في الجزيرة العربية).
- (الحرب في فلسطين).
وقد نجا فيها منحى المذكرات أو المشاهدات التي عايشها مع أنه كانت له كتابات ومقالات نشرت في عدة صحف، وله كتابات أخرى مدونه ومتناثرة لكنها للأسف الشديد قد عدت عليها صوارف الأيام فضاعت وفقدت.
وأخيراً: بقي مقرباً من المؤسس وأبنائه الميامين، بعد حياة دؤوبة، برزت فيها أحسن بصماته في تشكيل الجيش السعودي، ثم أصيب بجلطة نتج عنها شلل رباعي ألزمته دخول المستشفى فدخل على إثرها مستشفى الهدا بالطائف ثم نصحه الأطباء بأن يعيش في منطقة أخرى غير الطائف وذلك بسبب أنه مصاب بارتفاع في ضغط الدم، فقرر أن يعود مع زوجته إلى سوريا، وحين علم الملك عبدالعزيز برغبته أمر بأن يصرف له تقاعده، ووجه صديقه الشيخ محمد سرور الصبان بشراء منزل له في سورية والقيام بتأثيثه، وقد تم كل ذلك، وظل في دمشق عاكفاً على القراءة ومجالسه الرفاق والصحاب وكانت علاقته شديدة الثقة بشخصيات بارزة لها تاريخ يشاد به، فكان الزعيم يجتمع مع الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة والحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين وعبدالكريم الخطابي القائد المغربي وذلك في صالون بشير السعداوي غير أن أصدقاءه كانوا كثراً، كما أشارت إليهم ابنته (نعمات) في حديثها عبر صحيفة السعودية الغراء، حيث قالت: (أصدقاؤه كثر ولكن من أصدقائه المقربين إليه الأستاذ محمد شيخوا، سعيد الكردي، محمد سرور الصبان وزوجي إبراهيم بقلين وصديقه الخاص خالد بيك علم دار، والأستاذ علي الشاعر، وأحمد منصور، وكانت هذه المجموعة تشكل علاقات قوية فيما بينهم)، وأما وفاته فكانت بعد عودته لسورية بست سنوات وذلك في تاريخ 1955م حيث مات فيها وكان الزعيم قد تزوج من والدة ابنته نعمات سورية الأصل والإقامة، وذلك إبان إقامته بسورية، ولم ينجب منها سوى ابنته الوحيدة (نعمات)، بسبب إصابتها بمرض حرمها من الإنجاب، وقد ظلت وفيه له مخلصة حينما أقعده المرض، وتوفيت بعده بما يقارب من عشر سنوات. ولم تمر شخصية (نمر القدس الأسود) الزعيم الباسل على الباحثين مرور الكرام، بل كتب عنه باحثون بارزون کالمؤرخ عبدالرحمن الرويشد وعبدالله بلخير، كما كتب عنه عدد من رواد الصحافة وعاشقي الكتاب فالدكتور محمد بن سعيد القشاط أفرده بكتاب مستقل، حكى فيه سيرته الطويلة مع الجهاد والعسكرية، كما اتحف الأديب علي مصطفى المصراتي محبي الزعيم بحديث عنه في كتاب (نماذج في الظل) الذي صدر في منتصف القرن الماضي.
وكتب الزعيم طارق الأفريقي (البطل الجسور) بنضاله وببسالته أروع صورة الولاء والإخلاص للمؤسس - طيب الله ثراه - وبادله المؤسس أوفى صور الاحترام والتقدير والوفاء، وعل هذه الترجمة أن تسهم في خدمة تاريخ هذا البطل المتواري بين صفحات التاريخ العسكري السعودي الناهض المتصاعد.
... ... ...
مراجع المادة:
- حوار أجراه أ. عوض مانع القحطاني مع ابنة الزعيم (نعمات) عبر صفحات الجزيرة المتطاولة بتاريخ الجمعة 30 ربيع الأول عام 1430ـ - رقم العدد 13329.
- صحيفة الرياض أ. منصور العساف - محمد الأفريقي، قائد سرية الإنقاذ بتاريخ الجمعة 3 محرم 1437هـ 16 أكتوبر 2015م، رقم العدد 17280. بوابة الأخبار الأفريقية 30 يوليو 2018م.
** **
حنان بنت عبدالعزيز آل سيف -بنت الأعشى-
عنوان التواصل: ص.ب 54753 الرياض 11524
hanan.alsaif@hotmail.com