د.عبدالله بن موسى الطاير
الأمير محمد بن سلمان جدد طرق وأنماط التفكير قبل أن يحدث التغيير المهول في الاقتصاد والمجتمع، ويصنع لنفسه سمعة مهيبة تجعله ضمن أكثر المؤثرين وأشجعهم في تحويل التحديات إلى فرص. تقبله السعوديون ملهما؛ وتلك سيرة العظماء الذين فجروا طاقات شعوبهم فحققوا بهم ومعهم المعجزات من أمثال غاندي، مانديلا، ولي كوان صانع نهضة سنغافورة الذي تسلمها محطمة عام 1969م وسلمها عام 1990م وقد حقق حلمه بأن تكون «واحة من العالم الأول في منطقة من العالم الثالث».
لا نهضة بدون استقرار، ولا استقرار بدون أمن، ولذلك وعد الأمير الشاب عام 2017م بالقضاء «على التطرف فوراً، وبدأنا فعلياً حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر، وخلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة». وكمواطن لمست ذلك على أرض الواقع، ولاحظته في مظاهر بسيطة تحكي قصة نجاح؛ فالمباني السيادية والحساسة تبرقعت بالمصدات الأسمنتية خشية من السيارات المفخخة، عادت إليها نظارتها بعد إزالة تلك المصدات ونقاط التفتيش من الشوارع.
يدرك الأمير الهمام العلاقة بين الأسباب والنتائج فيتوجه في خطابه لعقلاء العالم حكاما ومنظمات ومفكرين وإعلاما محذرا من خطاب الكراهية باعتباره «الدافع الرئيسي لتجنيد المتطرفين» ويحذر من استخدام حرية التعبير وحقوق الإنسان مبررات لممارسات تثير الضغينة والبغضاء بين البشر وتغذي الخطاب المتطرف وتقوي مشروعيته لأن هذا النوع من الممارسات «يستقطب خطاب كراهية مضاد من المتطرفين، وهذا مرفوض بطبيعة الحال». لقد قال بوضوح ما يقوله كل مسلم، وعاقل في هذا الكون وهو أن المملكة ترفض «أي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب، وتؤكد على أن الحرية الفكرية وسيلة للاحترام والتسامح، كما أن الإسلام يجرّم هذه العمليات الإرهابية ويحرّم إراقة الدماء ويمنع الغدر بالآمنين وقتلهم بدون وجه حق». وبالقدر الذي عبّر فيه سموه عن الأمل بأن «يتوقف العالم عن ازدراء الأديان ومهاجمة الرموز الدينية والوطنية تحت شعار حرية التعبير لأن ذلك سيخلق بيئة خصبة للتطرف والإرهاب»، فإنني أرجوه وأتطلع أن تتبنى وزارة الخارجية مشروع قرار يصدر من هيئة الأمم المتحدة يجرم ازدراء الأديان والرموز الدينية والوطنية تحت دعاوى حرية التعبير. ليت هذا المشروع الدولي يكون باسم الأمير محمد بن سلمان لأنه القادر شخصيا على تحقيقه، وبلادنا وقيادتنا الأحق بالدفاع عن الأديان ورموزها، وليس لأحد غير المملكة وقيادتها، المشروعية، في الدفاع عن الإسلام والمسلمين حول العالم.
لقد أُلجمت حريات التعبير في موضوع يمس مشاعر بضعة ملايين من اليهود، بينما تتغاضى الأمم المتحدة عن تجريم الإساءة لنحو ملياري مسلم حول العالم بالإساءة إلى رسولهم صلى الله عليه وسلم. ليس المسلمون وحدهم الذي سيقدرون لسمو ولي العهد هذا الصنيع وإنما سيشكره المسيحيون واليهود الذين تهان رسلهم عليهم السلام تحت ذرائع حرية التعبير.
عود على بدء، أقول إن إصلاح الاقتصاد، وترشيد الإنفاق ورفع كفاءة الإدارة لا تنجح في البناء والفاسدون يهدمون بوتيرة أسرع. لقد وصلنا إلى مرحة من اليأس من إصلاح تلك الثقافة، وكان المسؤول الذي لا يتكسب من وظيفته يعد مسكينا وربما غبيا عند المنتفعين، بل لم يكن بعض المسؤولين الفاسدين يجد غضاضة من إعلان مكاسبه على شكل استراحات وقصور ومخططات سواء وهو على رأس العمل أو بعيد الخروج منه. لكني بكل وضوح لم أكن أتخيل أن يستهلك الفساد ما بين 5 % إلى 15 % من ميزانية الدولة. يا ترى كم يستهلك الفاسدون في دول العالم الثالث؟ وكيف يكون مشروع الأمير محمد بن سلمان مشروعا عالميا رأفت بالإنسان ومقدرات الأوطان؟
أستطيع اليوم بكل فخر أن أرى رادعا قويا بدأ من القمة إلى القاع فنتج عن «متحصلات تسويات مكافحة الفساد 247 مليار ريال في الثلاث السنوات الماضية، وهذا يمثل 20 % من إجمالي الإيرادات غير النفطية». اليوم لن يجرؤ أحد على تفسيقنا عندما نقول من أين لك هذا؟ فإقرار الذمة المالية بات تطبيقا عمليا وليس إجراء روتينيا على الورق.
ولي العهد آمن بقدرات شعبه، وإمكانات وطنه، وتعرف على فرص النهوض وتحدياته، وعرف أصدقاء النجاح وأعداؤه، وشخص مهددات الأمن الوطني ومحفزاته، فحرر بقوة شكيمته الوطن من قيوده المتوهمة، وأعتق الإنسان من عجزه المصطنع، وحقق انتصارا على الذات كنا بحاجة إليه لصناعة دولة المستقبل.