الخامس والعشرون من نوفمبر يوافق اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة. وكما ذكرت في مقال سابق عن الهدف من إحياء الأيام الدولية من هيئة الأمم المتحدة هي لتثقيف العامة من الناس بما يخص القضايا ذات الأهمية ولمعالجة المشاكل الأسرية والاحتفال بالإنجازات الإنسانية وتعزيزها.
العنف ضد المرأة دينياً واجتماعياً وعرفاً مرفوض. لكن الواقع وبكل أسف يثبت تفشيه ووجوده. ومع ثورة التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي تنوعت أشكاله وصوره. فنجد أحدهم في مقطع متداول لشيخ دين معروف صنف المرأة على أن وظيفتها في الحياة فقط للاستماع. وسنابي مشهور أظهر أب يُهدي ابنته لهذا المشهور وكأنها قطعة أثاث وشيء من الأشياء وليست إنسانا. ونجد الآخر يقول إنهن (نفسيات) وغير صالحات للقيادة. العجيب أن المؤيدين لفكر هؤلاء أعداد كبيرة جداً. هنا نعود لنفس التساؤل؟ ما هو العنف وما هي أشكاله.
العنف هو أي عنف لفظي أو نفسي أو تعدي جسدي أو تصرف سلوكي مجتمعي ضد المرأة. لفظي كتنمر سواء بالكلام أو الرسائل أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي من تعليق أو رسالة بريد إلكتروني أو حتى نعت وسب غير مبرر في أي من برامج التواصل الاجتماعي. وهناك مقولة لأحلام مستغانمي فيما يخص تأثير العنف اللفظي سواء مكتوب أم شفيها وجهاً لوجه أم كان مرسلا إلكترونيا. وصفته مستغانمي في أحد كتبها أن العنف المعنوي أشد خطورة على المرء من الإرهاب. وأنا هنا أوافقها الرأي بلاشك. فالعنف المعنوي تأثيره نفسياً خطير جداً على المدى الطويل. وطبياً الحالات النفسية وتدهورها تؤثر على فسيولوجية الجسم وبالتالي تسبب العديد من الأمراض العضوية. وهذا يقودني إلى أن أطرح تساؤلات لمجتمعنا الذي عادة ما يستخدم مصطلح العادات والتقاليد ومصطلح مجتمع محافظ للتبرير للعنف اللفظي أو الجسدي باختلاف صوره. ومع ازدياد وسائل التواصل الاجتماعي أصبح يصل العنف اللفظي والسلوك المجتمعي العنيف ضد المرأة بشكل أسهل وأسرع. وكأنهم يحاربون سياسة تمكين المرأة بشكل لا واعٍ. هل يرى هؤلاء أن المرأة جزء آخر من البشر له تصنيف مختلف؟ حقيقة لا أعلم.
وأود أن أذكر هنا صورة من صور التعنيف المتفشية أيضا ضد المرأة. وهي الابتزاز العاطفي من الزوج أو الوالدين أو الأقارب بما يسمى مجتمع القبيلة أو العشيرة. فيكون هناك ابتزاز من الأهل بالمرض أو ادعاء المرض لمجرد إجبار المعنفة على الصمت والضغط عليها بوسائل كثيرة. وهنا يتم الابتزاز بالتهديد بحرمانها من أطفالها أو المرض وتحميل المعنفة مسؤولية ذلك كنوع من الضغط النفسي عليها لمنعها من ممارسة حقوقها الطبيعية التي لم تتجاوز فيها قوانين دولة أو تشريع إسلامي. هذا كله من صور العنف الذي يجب التوعية بشأنه وعدم ترك التمادي فيه.
وعند بحثي عن قوانين حماية المرأة في المملكة ضد العنف وجدت أكثر من جهة تدعم حماية المرأة ضد العنف وهي:
برنامج الأمان الأسري الوطني, هيئة حقوق الإنسان, الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان, أو عن طريق إمارات المناطق والشرطة والمؤسسات التعليمية والمستشفيات. وأيضا عن طريق وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. وقد دفعني هذا للتساؤل ما هي الآلية الواضحة المتبعة؟ لأنه يبدو أنه لا يوجد آلية وطريقة موحدة تتبعها المعنفة وتطلب العون والاستنجاد. وعندما فتحت موقع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وجدت أنه لا يوجد فيه عنوان واضح لإرشاد المعنفة.
لماذا هناك أكثر من مرجعية. لماذا لا يكون هناك تدخل أمني واضح وتوجيه للمعنفة إلى أية جهة تتوجه. نحن في دولة تدعم حقوق المرأة والقضاء السعودي يدعمها لكن آلية طلب المساعدة غير واضحة. لذلك استشرت محاميا بخصوص هذا الشأن وكان رده أنه ترده العديد من الدعاوى بهذا الشأن ويرفعها إلى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لمتابعة قضية المعنفة، وقادني ذلك إلى تساؤل آخر. هل يجب على المعنفة أن تستعين بمحامي؟ وهل دائما سيكون بمقدورها ذلك؟، وبحثت عن إرشادات بشكل عام فلم أجد منها ما يخدم هذا الشأن. حينها تساءلت ماذا عن المرأة التي تسكن في منطقة نائية ولا تعلم إلى أين تتوجه إلى الشرطة أم وزارة الموارد البشرية أم حقوق الإنسان. هل هناك توعية كافية بهذا الجانب؟. لماذا لا تكون هناك آلية واضحة متبعة. لماذا لا يكون هناك توعية كافية بهذا الشأن؟.
الواقع أن هناك من النساء من تعتقد أن هذا التعنيف أمر طبيعي مسلم به. لأنها لم تر عالما إلا هذا العالم المعنف وتنشأ بكمية عالية من محدودية استحقاق للذات. أليس هذا كله عنف. نحن في عصر تمكين المرأة ولا اختلاف في ذلك. لكن الواقع يقول إن التمكين لمن يحظى بميزات معينة، والواقع يقول إن هناك من النساء من هن معنفات بصور متعددة. هناك تنمر وعنف لفظي فما هي عقوباته وكيف إثباته؟ والعنف الجسدي أيضا ما هي إجراءاته المتبعة. أنادي بوضع آلية واضحة متبعة فنحن نتشارك في هذا الكوكب وما زالت الفتاة تعاني وتعامل كتابع ويتدخل في شأنها مجتمع القبيلة ومصطلح عادات والتقاليد ومصطلح مجتمع لحرمانها هويتها ومن هي؟ ومن تكون؟.
أنا هنا لست عنصرية ضد الرجال أو متحيزة لكن نريد قوانين وآليات متبعة، وأتكلم عن واقع لبعض النساء ولست أتكلم عن النساء اللواتي ولدن بميزات في بيئة داعمة. أتكلم هنا عن الفتاة البسيطة في القرية البعيدة التي تعتبر وتظن أن العنف تصرف طبيعي، وأتكلم عن تلك الفتاة التي تم تزويجها قسراً ولم تعرف إلى أين تتجه لتأخذ حقها، وأتكلم عن تلك البعيدة في إحدى القرى النائية التي حرمت من التعليم. وأتكلم عن تلك الطموحة التي منعت من الابتعاث باسم عادات القبيلة، وكل هذا واقع ورأيته وشاهدته في المجتمع.
لماذا لا يوجد توعية للنساء بحقوهن في الإذاعة والتلفاز والصحف وفعاليات ترشدها بشكل واضح وسهل. أين تتوجه المعنفة إلى الشرطة أم الإمارة أم المستشفى أم هيئة حقوق الإنسان. النساء نصف المجتمع وشقائق الرجال وجزء من منظومة مجتمعية أسرية, ومربيات أجيال. ألا يستحقن الدعم وآلية واضحة لتثقيفهن بحقوهن. ولدعم رؤية 2030 نريد المزيد من الدعم والتوعية والتثقيف في منصات التواصل الاجتماعي وإعلام النساء بحقوقهن وكيف يحمين أنفسهن ضد العنف وآلية واضحة للحد من العنف بجميع أشكاله وصوره فنحن نستحق ونحن أمهات ومربيات الأجيال القادمة ونستحق العيش بسعادة وسلام. وأن نكون نحن كما نريد وأن نساهم في بناء وتقدم وحضارة مجتمعنا بكفاءة وفخر واستحقاق عالي.
** **
محاضرة بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن - طالبة دكتوراه في التأهيل الطبي - المملكة المتحدة