محمد آل الشيخ
بيان مجلس كبار العلماء الأخير الذي جرم الإخوان، وعدهم منظمة إرهابية، كان بيانًا متميزًا ومسؤولاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فلم يُسيء للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تنظيم حركي مثل ما أساء لهم الإرهاب المعاصر، الذي خرج من تحت عباءة هذه الجماعة المسيسة. ومن يقرأ ردود أساطينهم الغاضبة والممتعضة من البيان يُدرك أنه أصابهم في مقتل. وفي تقديري أن هذه الجماعة الإرهابية بالفعل هي من أخطر الجماعات التي ربما مرت على تاريخ الإسلام. فغني عن القول إنهم طلاب سلطة لا طلاب دين وعقيدة، وهذه غايتهم التي يضحون من أجلها، حتى بالعقيدة والمحرمات إذا كانت هذه التضحية ستدفع بهم إلى الاقتراب من السلطة. ورغم أنهم فشلوا عمليًا في كل تجاربهم الواقعية على الأرض، كفشلهم في حكم مصر وحكم السودان، وتراجعهم للصفوف الخلفية في تونس، إلا أنهم مازالوا يصرون على السلطة، ولو كان ذلك على أسنة الرماح. وهذا ما جعل كثيرا من المسلمين، ومنهم فقهاء واقعيون، يكتشفون أنهم رجال سلطة لا رجال دين؛ فلو أنهم حينما فشلوا في حكم تلك الدول التي ذكرت آنفاً، ، كفوا عن المسلمين شرورهم وفتنهم وإراقتهم للدماء لما تخلى عنهم عامة المسلمين وكثير من خاصتهم، لكنهم يفشلون، ثم يرفضون الاعتراف بفشلهم، ويعاودون الكرة؛ وكان المفروض - لو كانوا صادقين - أن يرعووا، لكنهم يعاودون مرة أخرى، متخذين من (الإرهاب) والقتل وأحيانا التكفير وسيلة من خلالها يريدون أن يحشدوا عوام المسلمين والبسطاء منهم وراءهم.
عقلاء الإخونج، أو لعلهم المتعاطفون معهم، يعترفون بذلك، ويطالبون قادة الجماعة وأساطينها الإذعان للواقع، وعدم المكابرة؛ غير من أفنى عمره في الدعوة لهم، وكوّن ثقافته ما تقوله مؤلفاتهم، من الصعوبة بمكان أن يعترف بذلك، لأن اعترافه وتسليمه بالواقع والفشل، يعني أنه خرج من الساحة، يجر ذيول الخيبة والهزيمة؛ وأغلب (المؤدلجين) جبلوا على المغالطة والمكابرة والمعاندة والتحصن بالتفكير الرغبوي. كما أن المعارضين السعوديين المشردين في الخارج، وأغلبهم من جماعة الإخوان والسروريين، لا يملكون قرارهم، وإنما تملكه دويلة قطر، وغني عن القول إن حكام قطر مازالوا يصرون و(بغباء) على أن ربيعا آخر -كما يسمونه- سيبعث من جديد، وأنهم سينتصرون. طبعاً القطريون يغالطون، ويعلمون أنهم يغالطون، غير أن كبرياءهم تأبى عليهم الإقرار بالهزيمة؛ ومكابرتهم هذه هي التي جعلتهم يناوئون أربع دول وازنة في المنطقة، عسى ولعل أن يبعث لهم (أوباما) آخر يتحالف معهم، ويخلصهم من المأزق الذي وضعتهم تحالفاتهم مع هذه الجماعة المهزومة فيه.
جماعة الإخوان لم يبق لهم إلا قطر فقط، وقطر دويلة ليس لها على المستوى الجيوسياسي قيمة، كما أن لديها التزامات وكذلك ضغوط يجعلها لا تستطيع المكابرة ودعم هذه الجماعة طويل، غير أنهم - حتماً- سيذعنون في النهاية، لاسيما وأن بايدن الذي يعلقون عليه آمالا كبيرة ليس من مصلحته وليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تدعم جماعة سياسية لم تنجح قط في بلد تولت السلطة فيه، لذلك فأنا على يقين لا يخالجه شك أن مصير هذه الجماعة إلى الاضمحلال والتواري مع الزمن؛ وإذا انتهى الإخوان ماذا بقي عند قطر؟
بقي أن أرد على بعض الإخونج الذين زعموا أن الموقف الذي اتخذه أغلب المسلمين من الرسوم المسيئة للرسول الكريم موقف (إخواني)، وهذا غير صحيح البتة، فجماعة الإخوان ممثلة بأحد كبرائها (راشد الغنوشي) قلل من المقاطعة واعتبرها أمراً عارضاً لا قيمة له، كما جاء ذلك في تغريدة له على موقع تويتر. أما تركيا فكما يقول دستورها دولة علمانية، تبيح من المحرمات والمحظورات المناوئة للدين، ما يجعل بينها وبين الإسلام مثل ما بين الأرض والسماء..
بقي هنا أن أشيد بموقف أميرنا الشاب سمو الأمير محمد بن سلمان الذي كان له بحق القدح المعلى في محاصرة هذه الجماعة الإرهابية وبالذات في المملكة، وفي زمن هو بكل المقاييس زمن إعجازي.
إلى اللقاء