بكري عساس
قال تعالى في سورة النساء الآية (19): {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
في سنوات البعثة إلى بريطانيا طلباً للعلم والتعليم، كنت قد ذكرت سابقاً أن الابتعاث ليس فقط تغييرًا مكانيًا وإنما تلاقح فكري وثقافي، كما أنه اكتساب خبرات وتجارب. كنت -ولله الحمد والمنة- على علاقة جيدة بأغلب الطلاب الأجانب في الجامعة من عرب وغيرهم، وكنت كذلك محل ثقة كبيرة لديهم، فكنت في أغلب الأحيان مستشارهم فيما يلاقونه من مشكلات.
أذكر إذ جاء أحدهم (من دولة شقيقة) وقال «أنا متزوج حديثاً وجئتُ بزوجتي معي وأنت على علم بصعوبة المقام خصوصًا أن زوجتي مبتعثة مثلي، وقد اتفقنا على تأخير عملية الإنجاب إلى ما بعد الانتهاء من الدراسة والحصول على الدرجة، ولكن مشيئة الله فوق كل مشيئة، ورغم الحرص إلا أن زوجتي شعرت بأعراض الحمل وقد عملت اختبارًا وفوجئنا بإيجابية الحمل»، ثم استمر قائلاً: والآن قررت أنا وزوجتي الذهاب إلى المستشفى لأخذ موعد للتخلص من الجنين خصوصًا أنه في أسبوعه الأول. وقد ذهب بالفعل وأخذ موعداً لذلك، وقال: إنه وزوجته يشعران بالذنب لو حصل ذلك. انتهي كلامه.
سبحان الله كنت قبلها في مناسبة عائلية عند أحد الزملاء وهو مبتعث من إحدى الجامعات السعودية، وفي تلك الليلة ذكر لي ذلك الصديق عن قصة امرأة كان زوجها يستأمنها على ابنة زوجته الثانية المتوفية، وذكر أنها كانت تتقصد أن تؤذيها لدرجة أنها ألقتها في إحدى المرات تحت قدم الثور الذي يسقي المزرعة. المهم بعد عمر طويل أنجبت هذه الزوجة عدداً من الأبناء من الذكور والإناس وأصيبت بمرض أقعدها الفراش وتخلى عنها الجميع ما عدا هذه الابنة التي كانت تتمني لها الموت.
فذكرتُ له تلك القصة، بعدها بأيام جاءني قائلاً: قررنا أنا وزوجتي أن نتوكل على الله وعسى أن يكون في ذلك خير.
مضت أكثر من ثلاثين حولاً على تلك الحادثة، قابلت ذلك الزميل قبل عامين آتٍ إلى مكة معتمراً، وأراد زيارتي في منزلي وذكرني بتلك القصة، وزاد أن قال: إنني لديَّ من الأبناء أربع ومن البنات مثلهم وأنا أعمل استاذاً في الجامعة في بلدي وزوجتي مريضة ومن يقوم على رعايتها وعلاجها ذلك الابن (أصبح طبيباً) الذي كنت أنا وزوجتي على وشك التخلص منه.. (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار).