رمضان جريدي العنزي
هناك ألسنة حداد، لا تكل ولا تمل ولا تهدأ من الهمز واللغو والنميمة والنقد غير الهادف وغير البنّاء.. لا يسلم من هذه الألسنة الحداد أحد، ينتقدون كل شيء، وكل أحد، ولا يرضيهم أي شيء ولا أحد، ولا يقتنعون سوى بأنفسهم وبأعمالهم العابثة، متخيلين أنهم بلغوا مبلغ الكمال والعلو والسمو والسؤدد. نراهم في المجالس والمناسبات والاستراحات يشحذون سكاكين ألسنتهم نقدًا وتسقيطًا وتسفيهًا، وكأنهم الوحيدون الخالون من العيوب، والمنزهون من الأخطاء، ينحازون بشكل مطلق للذات، بطاووسية وعنجهية وتكبر، وكأنهم الأنموذج الأمثل والأصح. نفوسهم مجبولة على السوء والبغضاء والعداوة والضغينة.. يجيدون جلد الآخرين بحرفية عالية مستخدمين مصطلحات غريبة للوصول لمبتغياتهم الأنانية. يقبعون في زوايا السواد، ويهوون السرد الرمادي لسير الآخرين. أنانيون، يقدمون مصالحهم الشخصية على مصالح الآخرين، ويبتغون الوصول إلى أهدافهم بأسرع الطرق وأيسرها ولو على حساب الآخرين. الأنا عندهم متضخمة، يتمحورون دائمًا حول الذات، ويمجدونها، ولا يقدرون الآخر، ويحاولون إلغاءه. متورمون بالذات حتى الإفراط، أفكارهم وعواطفهم وغرائزهم غير منضبطة، عندهم عنف لفظي وقولي وحركي، هم مثل الترس، يدور حول نفسه، سلوكهم استعلائي بحت، ولا يحاولون النهوض بالإنسان والحياة، وثقافتهم ميتة، وليست حية، يحبون المدح العالي، ويطربون لمفردات الإعجاب، ويرفضون كل من يحاول نقدهم وتقويمهم، ويحاولون نفي الآخر وعدم الاعتراف به، وفرض الهيمنة والفوقية والتعالي. إنهم يعيشون أزمة وعي حقيقية، حتى أنهم لا يرون الحال والواقع بعقول راجحة، وعيون صافية، وبصيرة ثاقبة. وهذا يؤكد حقيقتهم الرقيقة الإسفنجية الهشة التي يعانون منها نتيجة الخور الذي يعيشونه. إنها الذات اللاعقلانية التي تخدش المستوى الثقافي لهؤلاء، وتجعلهم غير قادرين على تقبُّل الآخر، وغير قابلين للنقد الهادف، والتوجيه السليم؛ لهذا نراهم يدورون حول أنفسهم كما يدور الرحى، دون أن يمنحوا الحياة والإنسان شيئًا من العلم والمعرفة، والتجديد والفائدة، سوى بهرجة الكلام الممل، والصوت النشاز.