عثمان بن حمد أباالخيل
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه
بيت شعر للشاعر العباسي بشار بن برد يلخص أسلوب التعامل مع الآخرين على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم وأعمارهم. في وقتنا وعصرنا ويومنا الحالي فن التغافل وفن التجاهل أصبح مطلباً مُلحاً وضرورياً للحافظ على العلاقات المختبئة وراء كومة قش. جرعات خفيفة من العتاب تُصفي النفوس مطرزة بأسلوب ليّن يتقبله الطرف الآخر، ترى من نعاتب من؟ العتاب هو متنفس للعلاقات المبنية على أرض صلبة وهدفه إزالة سوء الفهم ودوام الود والألفة وإبعاد تلك الألسن البذيئة والآذان الكبيرة.
وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
على قدر الهوى يأْتي العتاب
ومن عاتبت يفديه الصحاب
للعتاب مهارة وأسلوب فعال ووقت مناسب حيث إنك تغوص في بحر يحتاج إلى غواص ماهر يخرج اللؤلؤ ويضفي الود وهكذا يكون العتاب الراقي الذي يراد له التقرّب. الخوف يساور الإنسان حين يتحول العتاب إلى لوم، بالتأكيد اللوم ثقيل على النفس ومنفر للعلاقات الإنسانية وهذا بين شعر من أبو نواس:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
يبقى الود ما بقي العتاب وكما يقال «بحجم المحبة يكون العتاب» شخصيا أرى أن العتاب بلسم سريع المفعول يزيل ما في النفوس من ضبابية ويبعد تلك الأوهام والطرق الملتوية التي يؤدي إلى زوايا مظلمة كفانا الله تلك الزوايا المظلمة في حياتنا.
ترى هل العتاب دليل على الحب أم دليل على إبقاء العلاقة قوية ومميزة أم هناك خفايا إنسانية، وهل فعلا كثرة العتاب تقلل من الحب. بالتأكيد كثرة العتاب دليل على عدم الثقة بالنفس وتنفر الطرف الآخر خصوصا عندما يكون العتاب قاسيا، فلا تكرروا العتاب فهو ممل، جميل أن يكون العتاب رقيقا وخفيفا وقصيرا والأجمل أن يرسل معه باقة ورد ليختلط العتاب مع الورد. شخصيا مررت بحالات كثيرة من حالات التغافل أو كما يسمى «التطنيش»، أي أن تفوت لصاحبك هفواته وزلاته فهي أجدر من كثرة العتاب.
إتقان لغة العتاب القليل من الناس من لا يفهمونها ولا يدركون حدودها، للعتاب لغة راقية تقود قاطرة الحب إلى الأمام، تشعله بوقود الثقة بالنفس وتنقيه من الإحساس بالفشل وتصل بك إلى أو بكِ على شاطئ الأمان والاستقرار. لا تعاب إلا من يستحق العتاب فيظن من لا يستحق أنه يستحق، ودع من لا يستحق يعاتب نفسه فكيف أعاتب نفسي، أعاتبها حين أشعر أنها زلّت وهفتْ وأشعرتني بمرارة الموقف.
وفي الختام تقبلوا العتاب وابتعدوا عن اللوم واغرسوا بساتين الورد والفل والياسمين فيما بينكم فالحياة جميلة حين نراها بمنظار الجمال الذي تريده. وابتعدوا عن بحر العتاب المر الذي يُغرق كل شيء جميل في حياتكم. اقتبس: (العتاب كالحب، فلا تعطيه لمن لا يستحق)، جبران خليل جبران.