سميت الصحافة بصاحبة الجلالة - كما يعلم الجميع - لقدرتها على قيادة الرأي العام، والسلطة الرابعة لتناولها ما يصدر من السلطة التشريعية بالنقد، وتقديم الآراء التي يرى كاتبها المختص أو صاحب النظرة الثاقبة أفضلية الأخذ بها، لشمولية المنفعة العامة وتحقيق الأهداف المرجوة من التشريعات، بالإضافة إلى تقويم أداء السلطة التنفيذية .
الصحافة قضية وهي المتبنية لكل القضايا، وليس هناك فرق في المهنية بين صحافة الرأي المستقلة أو الشعبية أو التابعة لأحزاب والصحافة التي تصدرها الدولة لتكون لسان حالها، وأيا كانت الأهداف أو التوجهات فالمهنية حاضرة والتأثير حاصل .
كل ما سبق قوله هو دلالة الوعي بأهمية الكلمة وأهمية أن يكون المتلقي مواكبا للحياة السياسية والفكرية والاجتماعية والأدبية الشاملة لكل الفنون وبين قوسين ( التأثير حاصل ) إن كانت تلك الكلمة مكتوبة ومنشورة في الصحافة التي تملكها الدولة أو المستقلة أو الشعبية أو التابعة لأحزاب.
وليس بمستغرب أن تكون مكة المكرمة موطنا للوعي والفكر كما أن عدم الانتشار لضعف الموارد المالية وندرة القدرة الفنية لا ينفي صدور الكتاب ونشأة الصحافة في مكة المكرمة منذ زمن بعيد.
الكاتب والباحث الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي نشر في الأسبوع الماضي مقالا ذكرنا جميعا بمرور مئة عام على إصدار صحيفة أم القرى أول صحيفة في العهد السعودي، حيث صدرت في الخامس عشر من جمادى الأولى عام 1343هـ ( 12 ديسمبر 1924 )، وهي صحيفة رسمية تملكها الدولة تعنى بأخبارها ونشر قراراتها الصادرة من الدولة ( مراسم وأوامر ملكية، وقرارات مجلس الوزراء) والكثير بل كل الأنظمة والقوانين المنظمة لحياة الناس، وشكلت بذلك سجلا وثائقيا يستند إليه ويؤخذ به في كثير من القضايا والاستشهاد والإثبات خاصة أن الدولة تلزم المؤسسات والشركات بنشر قرارات تأسيسها في الصحيفة، بالإضافة إلى كثير من الإعلانات الحكومية والفردية المقتضية إعلام الناس بها، ولا أجد انه من مسؤوليتي هنا أن استعرض مراحل تطور الصحيفة حتى بلغت المئة عام فتلك مسؤولية المعنيين في وزارة الإعلام وفي الصحيفة، غير انه من المهم جدا أن نذكر بان صحيفة أم القرى وثيقة وطنية وسجل لا يستهان بقيمته للمهنة وأهلها والدولة وقراراتها والمجتمع ونموه .
الأستاذ القشعمي استعرض من خلال مقاله بعض قصص ومعاناة الرواد عند تأسيسهم للصحف التي ضمتها مرحلة صحافة الأفراد، ورغم تلك المعاناة وقلة الموارد وافتقاد البلاد لتقنية الطباعة في ذلك الزمن، إلا أن أصحاب تلك الصحف استمر معظمه في الإصدار حتى انتقلت الصحافة إلى عهد الدمج ثم المؤسسات .
وقد طالب الأستاذ القشعمي وزارة الإعلام في مقاله بالاحتفاء بذكرى صدور صحيفة أم القرى وتذكر الرواد الذين مهدوا الطريق وقدموا أغلى ما يمكن من خبرة محدودة وبوسائل بدائية ومع ذلك صمدوا وتحملوا، واجد نفسي متحمسا لهذه الفكرة بل وأطالب بان تكون ذكرى صدور صحيفة أم القرى في كل عام احتفالا بالصحافة في المملكة العربية السعودية وان يكون الاحتفال شاملا المؤسسين والرواد والمهنيين، وان يتبنى أيضاً الاحتفال جوائز سنوية لنتاج الصحافة المحلية والعاملين بها بما في ذلك الصحافة الالكترونية .
أطالب وزارة الإعلام بذلك بعد أن تخلت هيئة الصحفيين عن الكثير مما كان يجب القيام به تجاه الصحافة وأهلها لأنها هي الأولى بالاحتفاء، وهي الأولى برصد الجوائز السنوية وليس في المناسبات كما تم في منتدى الإعلام السعودي، وهي التي يجب أن تكون المتبنية لفكرة التطوير مهنيا والحافظة لحقوق العاملين والدافعة لتقديم المواهب والقدرات الشابة التي تخدم الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية .
** **
- عدنان صعيدي