محمد عبد الرزاق القشعمي
تحل علينا هذه الأيام ذكرى مرور مائة عام على صدور أول صحيفة في المملكة في العهد السعودي الجديد، ففي السابع من شهر جمادى الأولى عام 1343هـ دخل الملك المؤسس - سلطان نجد وملحقاتها - مكة المكرمة، ونودي به ملكاً للحجاز وسلطاناً لنجد، وبعد أسبوع من دخوله لمكة صدرت جريدة (أم القرى) يوم الجمعة 15-3-1343هـ والتي استمرت جريدة رسمية أسبوعية تصدر حتى الآن. وبعد بضع سنوات تتالى صدور الصحف والمجلات في المملكة.
ولعلنا نستعيد ما قاله بعض روادها، ففي كتاب (تطور الصحافة في المملكة) يقول مؤلفه عثمان حافظ قبل خمسين عاماً: «... والصحافة الناجحة هي التي تشترك مع القارئ - اشتراكاً كاملاً - فتعيش معه في المنزل وتساعده على حل مشكلته، وتخفف عنه آلام المرض وتفتح له آفاق الحياة، ليطل من نافذتها على ما في العالم من تقدم ونشاط ومدنية. وتسعى لأن تقدم النور للذين يعيشون في الظلام والعلم لمحو الجهل.. وأن تنقل للقارئ أحداث الساعة.. مجلوة واضحة من خبر، واختراع، وعلم وفن، وغير ذلك». وقال: «... والصحافة أداة خير ورشاد إن هي التزمت الأمانة، والإخلاص، والصدق، والفضيلة.. وأداة شر وفساد.. إن هي انحرفت عن الأمانة والصدق.. واستخفت بالقيم الخلقية والمبادئ الشريفة..».
وقال عبدالله بن خميس في تقديمه لكتاب البدايات الصحفية في المنطقة الوسطى: «.. للصحافة في ذاكرتي شؤون وشجون، فهي رفيقة الدرب وموئل القلم ودوحة العطاء التي ابتدأ غراسها منذ ما يربو على نصف قرن من الزمان، وفي تلك الفترة التي بدأت فيها مشروعي الصحفي بالمنطقة الوسطى، لم يكن هناك من اهتمام بالثقافة أو الأدب، وكان الجميع مشغولين بلقمة العيش وشظف الحياة، إضافة إلى انتشار الأمية بصورة كبيرة.
لذا كان التحدي كبيراً والعراقيل تترصد بالمسيرة، لكن جميع هذا صنع الوقود الذي شحن الطاقات وأجج الهمم، وجعلني أؤسس صحيفة الجزيرة كمجلة داخل بيت مغمور وفي أحد أحياء الرياض القديمة».
وقال د. حمود البدر في تقديمة لكتاب (البدايات الصحفية بالمنطقة الشرقية): «.. يظل شباب اليوم - وكثير من كهوله ممن لم يروا ماضي المملكة - أن الصحافة التي تملأ واجهات المكتبات ومحلات البقالة أنها ولدت سمينة متعافية، وما علموا أن طفولتها كانت شبيهة بطفولة أبائنا وأجدادنا الذين عانوا شظف العيش، وزعزعة الأمن، وندرة الموارد، وانعدام الدواء..».
والصحافة المبكرة في هذه البلاد بدأت بما يشبه المغامرة. وبجهود ذاتية فردية، وبإمكانات متواضعة، وصعوبة في الاتصال والتواصل، وانعدام توفر أدوات العمل كما هي الآن. ولكن قوة الإرادة وعزيمة الرجال وحسن النية والتصدي للمعوقات ساهمت في الصمود وتحقق الحلم، ووصلت إلى ما وصلت إليه الآن من تقدم ونجاح، بفضل رجال صدقوا وصمدوا وتحملوا المشاق.. أفلا يستحقون منا الشكر والتقدير لتضحياتهم بعد رحيلهم.. ولنذكّر بهم الأجيال التي لا تعرفهم، ولتظل أسماؤهم في معالم واضحة للعيان لتبقى درساً شاهداً على مر الأيام والأزمان.
ولعلنا في هذه المناسبة وباستعراضنا لأهم تلك الصحف والمجلات من خلال جريدة الجزيرة ومجلتها الثقافية الأسبوعية نؤدي ولو جزءاً يسيراً لهذه الصحف ولرجالها الذين رحلوا عنا قبل أن يروا ما آلت إليه من تطور ورقي ونجاح، وأن هذا الوطن الذي ضحوا من أجله لم ينسهم.
ولعلي بالمناسبة أذكر وأشكر من بادر بتصوير بعض أعداد تلك الصحف المبكرة ولو بعدد يسير تحفظ تاريخنا من الضياع بوجودها في الجامعات والمكتبات مراجع مهمة للباحثين، ومنهم:
1ـ مجلة (اليمامة) لمركز حمد الجاسر الثقافي وجامعة الإمام.
2ـ الأستاذان أحمد وعبدالرحمن السعيد لجريدة (القصيم).
3ـ الأستاذان سعد البواردي وعبدالرحيم الأحمدي لمجلة (الإشعاع).
4ـ أصدقاء وأولاد الأستاذ عبدالكريم الجهيمان لجريدة (أخبار الظهران).
وكتبت وهاتفت الدكتور حامد الربيعي رئيس نادي مكة الثقافي، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة البلاد الصحفية الأستاذ أحمد باذيب برجاء تصوير جريدة (صوت الحجاز) التي صدرت في الفترة من 1350- 1360هـ وتوقفت بسبب الحرب العالمية الثانية. فهي تضم معلومات تاريخية وثقافية واقتصادية مهمة لا يستغنى عنها. وما زال الموضوع معلقًا.