د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لعله عامُ الصِّحافة تخليدًا لعطاءٍ يوشك أن يخبو أحدُ أشكاله لتنموَ أشكالٌ أُخرُ؛ فمن كان يعشق الورق فإن الورق في صحوة الممات، ومن تعنيه الصِّحافةُ فإن ألقَها لا يموت مادامت الكلمةُ والصورةُ والقارئُ والشاشة والكاتب والكتابة.
** مرَّ قرنٌ على صِحافة هذا الوطن 1924، وقرنان على الصحافة العربية 1828م، وأربعة قرونٍ على صحافة العالَم 1622م، وإذ أسهب مؤرخو الصحافة في توثيق مراحلِ تحريرِها وتطويرها وحضورها وسطورها فقد عشنا وشهدنا ولادة صحفٍ وغيابَ سواها، وصعود صحفيين وسقوط أمثالهم، وتراجعَ صحافةِ الخبر وبروزَ صحافة الخبراء، واستبدالَ الألوان بالأبيض والأسود، وتوظيفَ التقنية وتضخيمَ المطابع، غير أن ما نعيشه أو نعايشه في العقد الأخير 2010-2020م غيرُ مسبوق.
** تراجعت الصِّحافةُ الورقيةُ توزيعًا ومهنيةً وكفاءاتٍ وانتشارًا وسوقَ إعلانٍ وأهمية إعلام، وسادت الوسائط الرقمية ببهائِها وهبائِها، وسعت المؤسسات الصحفية إلى معانقة سرعتها وجرأتها، وأنَّى لعربةٍ مثقلةٍ أن تسابق أحصنةً جامحة، ولكنّ هذه المئويةَ سعيٌ للتذكير بواقعها والتطلع إلى حلّ معضلاتها والانتقال بها ومعها إلى منطقة أمانٍ تستردُ به «ما» و «من» فقدت، وليس منها الورقُ على أي حال؛ فذاك زمنٌ انقضى، والصحافة تقضي ولا تنقضي.
** قد تمر الصحافةُ الورقية ومؤسساتُها الداعمة لها بأزماتٍ أكبر لإخلائها من إمكاناتها المادية والبشرية، ومن لم يرحل منها فهو في طريقه للرحيل، فلعل هذا العدد الخاص يدقُّ تنبيهًا لمن بيده تعديلٌ أو تبديل فتشيّع بتقدير أو تعيش بكرامة.
** العددُ أمامكم؛ أردناه استذكارًا للتأريخ العريق، وتماهيًا مع الواقع القلق، واستشرافًا للغد المتشائل؛ فعسى أن يُسهم في قرارات شفافة مباشرة تُنصف ما حقُّه البقاء، وتصطفي ما يحتاج إلى انتقاء، وتُقفل أعوامُ الأرق وتخفُّ أوجاعُ القلق، وتستقبل الصحافةُ أجيالًا واعدةً واعيةً تتواكبُ مع متغيرات التقنية وظروف الزمن.
** الصحافة وثباتٌ لا ثبات.
** **
- مدير التحرير للشؤون الثقافية