الصحافة السعودية بمنزلة إعلام مرئي أو قرائي لأنها بزغت أول ما بزغت من مكة المكرمة في أوائل القرن الماضي وكان القائمون على تحريرها هم الأدباء السعوديون الذين كانوا يدركون أهمية الصحافة في عصر الهدوء مما جعل المجتمع المكي يتقبل هذه الأعداد من الصحف كجريدة أم القرى وصوت الحجاز والبلاد ومن ثم المدينة والندوة، على أن صحافة الرواد هذه قديمة قدم أدبهم الشعري وأدبهم النثري، فكانوا يستعينون بهذا الأدب في تحرير الصحف المذكورة ولقد أشار الرافعي رحمه الله في هذه النقطة إلى أن الصحافة قد تجني على الأدب لأنها أو بعضها كانت تقدم بسرعة وليست بصفة ديمومة، ولذلك مضت هذه الصحف في الطريق الإعلامي المجتمعي بحيث يتقبلها القراء الذين كانوا قد فوجئوا بهذه الظاهرة الجميلة خاصة في جدة ومكة والمدينة المنورة، لذلك مضت صحافتنا الريادية المذكورة آنفاً في طريق جميل من الإعلام والإعلان والأدب والثقافة بعد زمن لم تكن الأمة تعرف هذا الوسائل الصحفية،وكانت مدارس الفلاح وسواها مصدراً من مصادر الإيحاء والترقب لتخريج طلابها ومن هنا كان لهذه المدارس إعلام مدرسي كذلك ولا أدل عليه من أنه في زمن الملك عبد العزيز رحمه الله استقبل وفداً طلابياً من العراق آنذاك فكان لمدرسة الفلاح حظ استقبالهم في المدرسة وأقيم حفل طلابي بهذه المناسبة حضره الملك عبدالعزيز رحمه الله وقام أحد الطلاب وهو عبد الله بلخير وألقى قصيدته المعروفة وهو طالب:
شبه الجزيرة موطني وبلادي من حضرموت إلى حمى بغداد
إلى آخر الأبيات فكان ذلك إرهاصاً للإعلام الصحفي السعودي حيث كان يسجل فيها أمثال هذه الحفلات الإعلامية المدرسية والأدبية، ولقد غدا هذا الطالب أول وزير للإعلام السعودي، وتصور أخي القارئ تلك العقود السنوية والمراحل الزمنية تقدم فيها المستوى الجيد للصحافة صحافة الرواد ومن ثم كان لكل صحيفة صاحبها / الندوة: صالح وأحمد جمال، والمدينة: علي وعثمان حافظ، والبلاد: حسن قزاز وعبد الله الجفري، وعبد الله عريف، وعكاظ: أحمد عبد الغفور عطار، هذه المرحلة أيضاً من صحافة الأفراد كانت مزدهرة حيث واصل هؤلاء الأدباء مسيرتهم الإعلامية انطلاقاً من الأدب والفكر والثقافة، ومضت على هذه الوتيرة صحافتنا حيث كونت مدارس صحافية تم فيها من بعد تلامذتهم الذين هم الآن رؤساء تحرير كثير من الصحف المحلية.
إذن نخلص إلى القول إن الصحافة السعودية لم يكابدها أي مشكلة أو حجر عثرة، ذلك أن الأدب هو المكون للغة الصحافة حيث نجد أحياناً الكلمات والقصائد في الصفحة الأولى اتباعاً للمدرسة المصرية مثل الأهرام التي كانت تقوم بمثل هذه الميزة على صفحاتها الأولى حيث كان حافظ إبراهيم وأحمد شوقي وإسماعيل صبري كانت قصائدهم تنشر في صفحات الأهرام الأولى وهكذا قس، ونجد الآن أن الصحافة السعودية تعددت أعدادها وتحسنت أوضاعها نظراً للركيزة الأولى تلك التي ذكرناها.
إذن فصحافتنا السعودية ثابتة بمثل هذا الأسلوب الجميل الذي لفت أنظار القارئ إلى خبر سريع أو مهمة صحفية أو تقرير أو حوار أو صفحات الأدب وصفحات التراث والدين والثقافة، هذه الصفحات هي التي تدعم الصحافة معنوياً وثقافياً كذلك لأن صحافة بلا ثقافة تعد لا قيمة معنوية لها.
** **
- فاروق با سلامة