الجزيرة الثقافية - مشعل الرشيد:
بالعودة إلى الوراء مئة عام من أيامنا هذه سنجد عمر الصحافة السعودية التي انطلقت بدايتها من صفحات جريد أم القرى عام 1924 بمكة المكرمة. ومنذ الانطلاقة لم يكن المسرح السعودي غائباً عن اهتمامات الصحافة السعودية، على الرغم من أن النشاط المسرحي في بدياته كان محدوداً جداً؛ إذ كان مقتصراً على المسرح المدرسي من خلال جهود بعض المدارس في بعض مدن ومناطق المملكة. كانت جريدة أم القرى - وهي أقدم الصحف السعودية - تحرص على نشر أخبار حفلات المدارس، وخصوصًا تلك الحفلات التي يشرفها جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أو ولي العهد أو سمو نائب الملك في الحجاز في ذلك الوقت.
حضور الحفلات
تمثلت الحفلات بالمعهد العلمي السعودي بمكة، كذلك حفلات مدرسة النجاح الليلية التي يتخللها فقرات تمثيلية مسرحية، وحفلات معهد الأنجال بالرياض، والمدرسة الأهلية التذكارية، وكذلك حفلات مدرسة دار التوحيد بالطائف. واتسم الحضور المسرحي في صحيفة أم القرى بالطابع الإخبار الرسمي، في حين أن صحيفة صوت الحجاز التي تحولت فيما بعد للبلاد السعودية كانت أكثر توسعاً في نشر أخبار المدارس من مختلف مناطق المملكة. كذلك صحيفة القصيم نشرت جملة من الأخبار في أعداد متفرقة عن حفلات المدارس والأندية الرياضية بالقصيم، وعند تأسيس جمعية الثقافة والفنون بالأحساء العام 1391 هـ، وما تلاها من تأسيس جمعية مماثلة بالدمام بفترة وجيزة، واكبت الصحافة نشاطات المسرح بالمنطقة الشرقية؛ تنشر الأخبار والآراء النقدية بالكلمة والصورة من خلال جريدة اليوم بالدمام.
المسرح بالإذاعة
ومع ظهور الإذاعة السعودية، وانطلاق برامجها التمثيلية، نجد أن صحف الرياض والجزيرة واليمامة احتفت بتلك البرامج التي تقدم من خلالها مسرح الإذاعة. ولم يقتصر اهتمام الصحف والمجلات بالمسرح على الجانب الإخباري فقط بل كان الاهتمام بالأدب المسرحي بشكل أكبر، وخصوصًا في المجلات الثقافية كالمنهل، وقافلة الزيت والإشعاع، وقريش، والرائد؛ إذ نجد مقالات ودراسات مسرحية، تنشر لبعض الأدباء من الوطن العربي، ونصوصًا مسرحية لبعض الكتّاب السعوديين والعرب، تنشر على حلقات في تلك المجلات، في حين كثفت مجلة قريش الأسبوعية التي يملكها ويرأس تحريرها الأديب أحمد السباعي - رحمه الله - نشر المقالات والدراسات المسرحية، وخصوصًا المقالات التي تشرح أهمية وجود المسرح بالمملكة.
المسرح بالتلفزيون
وتزامن هذا التكثيف خلال الفترة من عام 1381 - 1383هـ، وهي الفترة التي شهدت تأسيس أحمد السباعي لدار قريش للمسرح بمكة المكرمة، وبرزت مقالات للسباعي نفسه ولعثمان شوقي ومطلب النفيسة وغيرهم، إضافة إلى نشر نصوص بعض التمثيليات. ومع نشأة التلفزيون السعودي منتصف الثمانينيات الهجرية الماضية اهتمت الصحافة بشكل عام بما ينتجه من تمثيليات ومسرحيات تلفزيونية، وذلك من خلال نشر أخبار تصوير تلك الأعمال، وأيضًا نشر بعض المقالات النقدية عن تلك المسرحيات وما احتوته من مضامين. أيضًا كانت الصحافة المحلية حاضرة لتغطية أنشطة المراكز الصيفية التي تنظمها وزارة المعارف، وكان النشاط المسرحي أبرز النشاطات التي تحرص عليها تلك المراكز.
المسرح بالجمعية
وقد نالت أنشطة المسرح الجامعي بجامعة الملك سعود بالرياض وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة في مطلع الثمانينيات اهتمام صحافة تلك الفترة بما يقدمه من حفلات سنوية ومسرحيات، وكان الحدث الأبرز في الحياة الثقافية والفنية في المملكة هو إنشاء الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون عام 1393 - 1973هـ بالرياض؛ الأمر الذي أحدث نقلة كبرى في النشاطات الفنية، وبشكل خاص الفن المسرحي الذي واكبه احتفاء صحفي كبير من مختلف الصحف؛ إذ أفردت التغطية الإخبارية للمسرحيات ونشر المقالات النقدية واللقاءات الفنية مع مختلف الممثلين المسرحيين؛ فكانت - بحق - رافداً وداعماً مهماً للحركة المسرحية فنياً وإعلامياً.
حضور نسبي
ولعلنا نستطيع القول إن المسرح، خاصة بطابعه الاجتماعي الجماهيري، كان حاضرًا بشكل يومي في صحافتنا منذ أواخر التسعينيات الهجرية، وإن كان هذا الحضور يختلف بشكل نسبي من صحيفة إلى أخرى، لكن الحراك المسرحي واطراده كان هو المحرك والدافع لهذا الحضور في الصحافة؛ إذ شهدت تلك الفترة نشاطاً وحماساً مسرحياً من مختلف فروع الجمعية، إضافة إلى مسابقات رعاية الشباب المسرحية بين الأندية والمكاتب، والمهرجانات السنوية التي تقيمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب (وزارة الرياضة حالياً) في العاصمة الرياض، ونجد أن الصحافة كانت تواكب كل ذلك الحضور بحضور أكبر.
مسرحيون صحفيون
- بالنظر إلى أعداد المسرحيين منذ نشأة المسرح نجدها لا تعد ولا تحصى، كذلك الحال بالنسبة للصحفيين منذ نشأة الصحافة، لكن إذا تتبعنا أعداد المسرحيين الذين دخلوا عالم الصحافة، ومارسوا الدورين (الصحافة والمسرح)، أو الصحفيين الذين صعدوا المسرح كُتابًا أو ممثلين أو مخرجين، سنجدهم قلة قليلة، يُشار لهم بالبنان. هذه القلة لعبت دوراً بارزاً في تسليط الضوء على الحركة المسرحية من خلال موقعهم الصحفي. كذلك أثرت قارئ الصحافة بالثقافة المسرحية، وجعلته يحضر العروض المسرحية متى ما حضرت على خشبات المسارح بالمملكة. بعضهم اليوم ترك مجال المسرح ومجال الصحافة لأسباب خاصة، تتعلق بكل واحد، والبعض الآخر ترك أحد المجالين مفضلاً البقاء للعمل في مجاله الآخر.
مسرحيات جماهيرية
ـ خلال مسيرة المسرح السعودي منذ بدايته قدمت خشباته للجمهور العديد من المسرحيات ذات الطابع الاجتماعي الجماهيري في مختلف مدن ومناطق المملكة. مسرحيات حظيت بحضور جماهيري نظراً للتغطية الإعلامية الواسعة لها. وكان أول نص مسرحي كُتب للمسرح السعودي كان للأديب حسين سرحان بعنوان (الظالم لنفسه)، وصدر عام 1350 هـ. وكانت أول مسرحية جماهيرية بالرياض (طبيب بالمشعاب) وأنتجها وعرضها التلفزيون، من إعداد وإخراج إبراهيم الحمدان عن مسرحية (طبيب رغماً عن أنفه) لموليير. وهنا نستعرض أهم المسرحيات الجماهيرية التي تناولتها الصحافة باهتمام زائد نظراً لعروضها أياماً طويلة، وحضورها الجماهيري بكثافة.. منها:
الرياض:
ـ قطار الحظ، 1978، تأليف إبراهيم الحمدان، إخراج سمعان، تمثيل علي إبراهيم، بكر الشدي ومطرب فواز.
ـ تحت الكراسي، 1985، تأليف أحمد الدبيخي، إخراج سمعان العاني، تمثيل محمد العلي، راشد الشمراني، عبدالله السدحان وناصر القصبي.
ـ المهابيل، 1986، تأليف إبراهيم الحمدان وإخراج سمعان العاني، تمثيل علي إبراهيم، عبدالله السدحان، خالد سامي ومحمد الكنهل.
ـ مناحي والملايين، تأليف مشعل الرشيد، وإخراج صالح العلياني، بطولة فايز المالكي، عبدالمحسن النمر، طارق الحربي ودريعان الدريعان.
الدمام:
ـ رقم ثلاثة، 1976، تأليف وإخراج ناصر المبارك، تمثيل سمير الناصر وحسين الهويدي.
ـ بيت من ليف، 1400 هـ، تأليف وإخراج ناصر المبارك، تمثيل علي السبع، سمير الناصر وعبدالمحسن النمر.
ـ المقاول، 1989، تأليف عبدالوهاب أبو عايشة، وإخراج مصطفى محمد، وتمثيل إبراهيم السويلم، إبراهيم جبر وخالد العبودي.
الأحساء:
ـ حكاية ما جرى: تأليف عبدالرحمن المريخي، وإخراج علي الغوينم 1407.
ـ الصرام: تأليف عبدالعزيز السماعيل، إخراج علي الغوينم 1412.
ـ الحل المفقود للأطفال: تأليف وإخراج المريخي 1402.
ـ جاكم سليسل للأطفال: تأليف مشعل الرشيد، إخراج علي الغوينم 1416، تمثيل إبراهيم الحساوي وفريق جمعية الثقافة والفنون المسرحي.
جدة:
ـ الدراهم مراهم، 1982، إخراج نادر معتوق.
ـ باقي الغسيل، 1399، بطولة فؤاد بخش عبدالإله نوار، حمتو ساعاتي.
الطائف:
ـ مين يكمل الثاني، 1403، تأليف محمد رجب، إخراج محمد الشامي، تمثيل إبراهيم زعفراني، أحمد جستنيه، حسين مجيدة، إبراهيم مخصور.
ـ يا رايح الوادي، 1410، تأليف فهد ردة، إخراج أحمد الأحمري، تمثيل عبدالله الوجيه، عبدالله نيازي، عبدالحكيم النور، مسفر الثبيتي.
ـ النبع، 1412، تأليف فهد الحارثي، إخراج أحمد الأحمري، تمثيل فهد الغامدي، محمد المالكي، مساعد الزهراني، سامي الزهراني، أيمن البغوي.
القصيم:
ـ مسرحية عليهم عليهم: تأليف سعد مساوي، وإخراج علي السعيد 1425 هـ، تمثيل عادل الضويحي، عبدالرحمن الصالحي وأحمد الحميميدي.
ـ مسرحية الخراريز: تأليف وإخراج محمد الهويمل 1406 هـ.
ـ أرنب نط للأطفال، 1423 هـ، تأليف وإخراج علي السعيد، تمثيل يوسف الدامغ، محمد الموسى ومهند الهذيل.
نجوم مسرح قدمتهم الصحافة
ـ لا شك أن الذين اعتلوا خشبة المسرح السعودي ممثلين، ونالوا الصيت والشهرة والنجومية، يعتبرون عدداً ليس بالقليل. ولأنهم ملكوا الموهبة والحضور الفني فقد أسهمت الصحافة الفنية في إبرازهم إعلامياً؛ وهو ما جعل الجمهور المسرحي يحرص على مشاهدتهم، وتتبُّع أعمالهم، سواء بالمسرح أو حتى التلفزيون، بل إن بعضهم غدا نجم شباك، تُسند إليه البطولة المطلقة. ومن الممثلين الذين وصلوا إلى محبة الجمهور ومتابعته بفضل حضورهم الفني واهتمام الصحافة الفنية: من الرياض (محمد العلي وبكر الشدي -رحمهما الله-، راشد الشمراني، ناصر القصبي، عبدالله السدحان، يوسف الجراح وفائز المالكي). ومن جدة (محمد بخش، خالد الحربي)، ومن حائل (محمد الطويان)، ومن القصيم (علي الهويريني)، ومن الطائف (سامي الزهراني ومساعد الزهراني)، ومن الدمام (عبدالمحسن النمر وسمير الناصر وإبراهيم جبر)، ومن الأحساء (بشير غنيم وإبراهيم الحساوي).
النهاية والستارة
ـ رحم الله الأمير فيصل بن فهد الذي تبنى المسرح السعودي من خلال الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون 1393 هـ تحت مظلة الرئاسة العامة لرعاية الشباب؛ إذ قال في حفل تأسيس الجمعية: «مسرحنا السعودي مدرسة متنقلة، يعرض الفضيلة، ويدعو إليها في صورة محسوسة، ويحقق التفاعل بين المواهب الفنية المختلفة والانفعالات والمشاعر؛ ليكون منها مضموناً خلاقاً ناضجاً نابعاً من ديننا الحنيف وتعاليمه الفاضلة». وهكذا كان المسرح السعودي في عين الصحافة السعودية، بدأ مدرسياً، وانتهى بمسرح جماهيري، يحمل تاريخًا وأرقامًا تستحق الرصد والتقدير.